هاشتاغ-نضال الخضري
انزاحت جائحة كورونا بعد أن فرضت علينا تفاصيل لم تكن مألوفة، وتركت الجميع في مساحة من عدم المعرفة حول حقيقة انحسارها، فالإعلام أنهى سطوة الفيروس وأبقى على أخبار شحيحة تأتي من “الصين” فقط.
ربما رسم زمن الوباء معالم من حالة اللايقين التي مازالت تلازمنا رغم انكسار الحلقة التي طوقتنا وفرض علينا عدم التماس “الفيزيائي”، فعندما سقط خبر الجائحة من البريق الإعلامي عادت القُبل كرمز لعالم يصعب تغيره.
جائحة كورونا كانت سياسية بامتياز رغم أنها حقيقة حصدت العديد ممن لم يتعرضوا للتقبيل، وبقيت “الفيروسات” الموسمية تعبر عن عالم مثقل بسكانه وعادات ربما لن ترحل لأن “القبلة” مستمرة عند البعض كإشارة وجود، وحالة تواصل لابد منها حتى وإن أبقتنا في دائرة احتمالات المرض، فبعض ألوان الثقافة البشرية تعطي “التباعد الاجتماعي” شكلا من التحريم، أو تعتبره معاكسة للحياة التي صاغتنا على شاكلة “العناق” وإثبات المحبة بفرض الذات عنوة.
هذا الشكل من التواصل القسري عبر القُبل يرسم مشهدا سورياليا لمجتمعات لا تعرف أن البشرية كسرت كل شروط البقاء؛ ابتداء بالاحتباس الحراري وانتهاء بأجيال الفيروسات التي تجتاحنا وتتركنا منهكين من فرط التواصل، فالمسألة ليست في نزلات البرد التي تسرقنا ونحن في ذروة الفرح أو الحزن، إنما في عدم القدرة على فهم العالم الذي أصبح مكانا يحتاج لترتيب مختلف بعد أن علمتنا جائحة كورونا أن كل ما حولنا يمكن أن يتبدل بسرعة.
بقيت الأعراس تضج بأصوات القبل التي يمكن سماعها رغم الضجيج، وبقيت وسائل المواصلات العامة في سوريا تحديدا موطنا يتجاوز “العدوى” لينال من الإنسانية.
وفي زمن “الفاقة” وانعدام التدفئة تصبح الأنفاس هي ملاذ الدفء والمرض في آن، فالازدحام سمة سوريا اليوم بحكم عدم القدرة على التباعد، حيث لا فراغ ممكن، أو أننا لا نستطيع رؤية المساحات الممكنة، فدامت “القُبل” أكثر من تعبير عن الشوق، وحالة تتشابك مع فرض ما نريده على الآخر فإن القدرة على خلق مسافة سيبقى معدوما.
تقدم “القُبلة” ثقافة أكثر من كونها حالة عابرة، فهي تداهمنا وترفض أن تدعنا نسير دون اكتراث بفرض مشاعر مجانية، أو حتى عدم الرغبة في تركنا ضمن حالة التأمل للازدحام الذي يحاصرنا، فالقُبلة الممنوعة في الدراما يعوض عنها البعض بجعلنا ضمن دائرة التفكير بالهرب من الحشود الحاضرة لتحيتنا بقبلة، وفتح بوابة لكل الفيروسات الموسمية أو حتى بإنهاء المسافة التي تميزنا عن الآخر.
ما تقدمه القُبل المجانية يحاصرنا داخل لون واحد لا يعبر عن اتحاد الأجساد، إنما يعيد وضعنا في دائرة من عدم تميزنا عن الآخر فهو موجود بقبلته التي تتحول بلحظة لسحابة تخنق الأنفاس أحيانا، وتضعنا على لون واحد رغم انتهاء جائحة كورونا إعلاميا على الأقل.