ذكرت تقارير صحفية أن “تركيا نقلت دفعات من المرتزقة السوريين”، تضم المئات من العناصر إلى النيجر، وأفادت، الأربعاء، أن “9 منهم قتلوا في معارك” هناك، دون ذكر تفاصيل عن ماهية القتال ومجرياته والأطراف التي شاركت فيه.
وبحسب ما نقل موقع “الحرة”، يبلغ عدد أولئك العناصر 550 عنصرا، وذلك بالتزامن مع مواصلة روسيا الزج بقوات هناك، ضمن خطوات تصاعدت بالتدريج منذ الانقلاب الذي شهدته النيجر، العام الماضي.
قلب التحالفات في النيجر
وأطاح الانقلاب العسكري بالرئيس محمد بازوم في نهاية تموز/يوليو 2023، وأدى إلى قلب التحالفات في غرب أفريقيا رأسا على عقب.
وفي أعقاب تنفيذه سارع العسكريون الذين استولوا على السلطة إلى المطالبة برحيل الجنود الفرنسيين “نحو 1500 جندي”، وألغوا العديد من الاتفاقيات العسكرية المبرمة مع باريس.
وغادر آخر الجنود الفرنسيين، المنتشرين في النيجر، البلاد في 22 كانون الأول/ديسمبر 2023.
وبعدما أظهر العسكريون انزعاجا بشأن الوجود الأميركي ألغوا الاتفاق الذي يربط البلد الواقع في غرب أفريقيا مع واشنطن في آذار/مارس الماضي.
انتشار روسيا في النيجر
ووصلت آخر التطورات إلى حد دخول قوات روسية إلى القاعدة الجوية “101” المجاورة لمطار “ديوري حماني” الدولي في نيامي عاصمة النيجر، والتي تستضيف قوات أميركية منذ سنوات.
وبدأت روسيا بنقل الكثير من قوات “فاغنر” إلى الدول التي شهدت انقلابات، وآخرها النيجر، وفي آخر إعلان رسمي في نيسان/أبريل الماضي قال تلفزيون “آر.تي.إن” الرسمي في الدولة الواقعة غرب أفريقيا إن “مدربين عسكريين روسا وصلوا على طائرة محملة بعتاد عسكري”.
وأشار التلفزيون إلى اتفاق بين المجلس العسكري في النيجر والرئيس الروسي، فلاديمير بوتين “لتعزيز التعاون”، كما بث لقطات لطائرة شحن عسكرية، وهي تفرغ عتادا بينما وقف أشخاص بزي عسكري بجانبها.
ويوضح الباحث في الشأن السياسي الأفريقي، حمدي جوارا، أن دفعة المدربين الروس الأخيرة التي وصلت إلى النيجر هي الثانية من نوعها، ورافقها عتاد عسكري ومعدات ونظام مضاد للطائرات، بحسب موقع “الحرة”
ويقول: “العلاقة الآن يمكن وصفها بشهر العسل”، وتأتي في إطار “ملء الفراغ الذي خلفه انسحاب القوات الفرنسية والأميركية”.
مصالح تركيا في النيجر
الروس ليسوا الوحيدين الذين وضعوا أعينهم على النيجر في أعقاب الانقلاب، بل كان للأتراك نصيب من ذلك وكذلك الصين وإيران، حسب صحيفة “وول ستريت جورنال” وعد من الخبراء.
لكن يكمن الاختلاف بماهية التحركات الخاصة بكل دولة عن الأخرى.
وبالنظر إلى العلاقة بين النيجر وتركيا يتضح أنها تندرج ضمن الأهمية التي توليها الأخيرة لجميع الدول الواقعة في القارة الأفريقية.
وعلى مدى السنوات الماضية تردد ذكر تركيا وطائراتها المسيّرة في أفريقيا، وخاصة في أثيوبيا وفي توغو الواقعة غربا.
وفي آيار/مايو 2022 حصلت النيجر على نصف دزينة من هذه الطائرات متعددة الاستخدامات وبأسعار معقولة لعملياتها العسكرية ضد الجماعات المتمردة في منطقة الساحل جنوب الصحراء الكبرى وحول بحيرة تشاد.
وتتمتع تركيا بعلاقات قوية مع النيجر، وينسحب ذلك على الفترة التي سبقت الانقلاب والتي تلته. ولم تؤثر التطورات التي عاشتها الدولة الواقعة في غرب أفريقيا على أي مسار، حسب وسائل إعلام تركية وتصريحات رسمية.
ورغم أن تركيا تشترك بعدة اتفاقيات معلنة مع النيجر، ووقعتها قبل حصول الانقلاب وبعده لا تنص إحداها على نشر جنود لها على الأرض أو حتى إنشاء قواعد والتواجد فيها.
ولذلك تثير التقارير التي تشير إلى ارسال تركيا مرتزقة سوريين إلى النيجر تساؤلات عن الهدف من إرسالهم إلى هناك، وطبيعة العمل الموكل لهم، وهو ما لم يتضح حتى الآن.
ويقول الأكاديمي والدبلوماسي النيجري السابق، الدكتور علي تاسع إن التقارير المتعلقة بوصول “مرتزقة سوريين إلى النيجر” غير صحيحة”.
ويشير إلى أن: “النيجر ليست بحاجة لأي مقاتل، بل لتكوين عسكري ومعدات وآليات عسكرية”.
ويلفت إلى أنه عندما ذهب رئيس وزراء النيجر، علي لامين زين إلى أنقرة في شباط/فبراير 2024 (أي بعد حصول الانقلاب) “لم يطلب من الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أي شيء”، حسب تاسع.
ويضيف الدبلوماسي النيجري السابق، أن علي لامين زين “زار مصانع الطائرات المسيرة والسيارات المدرعة ومصانع المقاتلات”.
ووفقا لـ تاسع كانت زيارته قبل ثلاثة أشهر “بهدف تنويع علاقات النيجر مع الدول”، وبينها روسيا وإيران والهند وباكستان.
وتابع تاسع أن “أي دولة يمكنها أن تساعد النيجر في التكوين العسكري والاتفاقيات العسكرية التي ستكون في صالح البلدين فإننا سنرحب ذلك”.
ولا تشترك تركيا مع النيجر بالمسار العسكري والأمني والتدريب العسكري فحسب، بل تذهب إلى التبادل التجاري في قطاعات أخرى، واتفاقيات على صعيد التنقيب عن المعادن.
وبحسب البيانات الرسمية التركية، انخفض حجم التجارة الثنائية الذي كان 72 مليون دولار عام 2019 إلى 58 مليون دولار عام 2020 بسبب تأثير وباء كوفيد-19.
وعاود الارتفاع مرة أخرى عام 2021 ليصل إلى 85 مليون دولار، مع تراجع تأثير الوباء.
وفي عام 2022 زاد حجم التجارة 3 مرات تقريبا ليصل إلى 203 ملايين دولار، وفق معهد الإحصاء التركي.
وكان وزير الطاقة التركي السابق، فاتح دونماز قد أشار في 2020 إلى أن “تركيا ستقوم بالتنقيب في ثلاثة حقول تعدين في النيجر، هي كولباغا-1، كولباغا-2 ودارس سلام-2 في جنوب غرب”.
وأضاف حسب وكالة “الأناضول”: “نحن نخطط للانتقال إلى مرحلة إنتاج الخام، الأمر الذي سيزيد من فرص العمل والقوى العاملة لكلا البلدين”.
أهمية النيجر
من جهته يشير الباحث في الشأن السياسي الأفريقي، حمدي جوارا إلى أن “الأتراك يهتمون بالعلاقة مع النيجر، وخاصة فيما يتعلق بشراء الطائرات القتالية بدون طيار”.
ويرى أن الاهتمام الكبير الذي توليه الدول بينها تركيا وروسيا له دوافع تتعلق بـ”المعادن الموجودة فيها، والمعروفة لدى الجميع”.
وبالتالي “يحاولون عقد صفقات للاستفادة منها، ولاسيما فيما يتعلق باليورانيوم والليثيوم”، كما أنه وبحسب جوارا باتت “النيجر من الأسواق البارزة التي تصدر البترول”.
ويضيف أن “هناك توقع عن نمو العلاقات الجديدة أكثر فأكثر”، وأن “تتجه النيجر لعقد شراكات مع دول أخرى مثل الصين ودول آسيا وربما دول عربية”.
ومن الناحية الاقتصادية تعتبر النيجر من الأراضي الغنية باليورانيوم، وتنتج 7% من إجمالي الإمدادات العالمية.
ويحتل المعدن المشع مكانة كبيرة في اقتصاد البلاد لدرجة أن أحد أعظم الشوارع في العاصمة، نيامي، يسمى بـ”شارع اليورانيوم”.
تحديات النيجر
وفق حديث الأكاديمي، علي تاسع فإن “الأوضاع باتت هادئة في النيجر منذ الانقلاب الذي حصل في 26 تموز/يوليو العام الماضي”.
وبعدما كان هناك “هزات ومطبات مع دول الإيكواس وفرنسا وغيرها من الدول الأوروبية عادت تلك الدول إلى رشدها، وعرفت أن شأن النيجر لا يخص إلا النيجريين”.
ومع ذلك، يؤكد مشروع بيانات مواقع النزاع المسلح وأحداثها أن النيجر تواجه مجموعة من التحديات الأمنية، مع انتشار مسلحي تنظيم “داعش”، وجماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” التابعة لتنظيم القاعدة الإرهابي في مناطق متفرقة من البلاد.