هاشتاغ-مازن بلال
تشكل إشارات الاستفهام في الوضع السوري حالة استثنائية في تاريخها المعاصر، فالمسألة لا ترتبط بوضع اقتصادي متهالك إنما بنوعية الأزمة إقليمياً، فالحلول التي طرحتها المجموعة العربية هي بذاتها مثار جدل ضمن الواقع الإقليمي العام، والواقع المعيشي السوري يتحول لذروة جديدة في الصراع، ليس على المستوى الخارجي فقط، بل أيضا ضمن مسار التفكير الرسمي الذي يراه البعض يتخبط، بينما في العمق هو أسير التفكير لمرحلة ما قبل الأزمة.
الصورة الأولية لما حدث خلال الأسبوع الماضي هو رفع الدعم عن المشتقات النفطية مقابل زيادة الرواتب، وبالتأكيد فإن هذه المسألة لا تحتاج لخبراء كي يقرؤوا شكل التضخم الذي سيظهر نتيجة هذا الإجراء، فالقرار الرسمي يستند عمليا إلى “قوة الدولة” في ضبط الأسواق، وبشكل يقارب ولو بشكل جزئي ما حدث في الثمانينات نتيجة عقوبات أقل على سوريا، والمفارقة أن “أدوات” الضبط لم تعد تملك نفس التأثير السابق، ليس نتيجة الأزمة بذاتها بل لتبدل اتجاهات الدولة وطبيعة المركزية التي تبنتها منذ بداية الألفية الجديدة، إضافة للتآكل الخطير في الجهاز الحكومي نتيجة الحرب وتباين علاقات الإنتاج التي فرضتها الظروف القاسية طوال أكثر من عقد كامل.
ما يحدث حاليا هو ضبابية سياسية تظهر في التوترات داخل الأجواء السورية بين موسكو وواشنطن، وهذا الأمر يفرض حالة من “اللا يقين” حتى ضمن البعد الإقليمي بما فيها تحركات المجموعة العربية، على الرغم من أن الجامعة العربية اتخذت إجراءاً باستئناف عمل اللجنة الدستورية في سلطنة عمان، لكن هذا الأمر سيبقى ضمن مجال “الشك” لأن اللجنة هي تكوين يمثل التوازن الدولي قبل الحرب الأوكرانية، ورفض روسيا المشاركة بأعمال اللجنة في جنيف بحجة مضايقة السلطات السويسرية للوفد الروسي مثل ذروة النهاية لزمن هذه اللجنة.
تداعيات الوضع السياسي هي انتقال الأزمة باتجاه مختلف تماما، فعلى المستوى الخارجي انتهت الرهانات مهما كان نوعها، سواء بتبديل سياسي أو بتحول سلس للاتجاهات السياسية، وبات المحيط السوري ضمن ترقب وانتظار تحولات دولية، ويفرض هذا الظرف على المستوى الداخلي مسألتين:
الأولى تتعلق بحلفاء دمشق المهتمين اليوم باحتمالات المعركة القادمة إقليميا وليس على المستوى السوري، والقوة السورية اقتصاديا باتت مرهونة لتفكير الحلفاء بممكنات تحشيد الطاقة لمواجهة القادم.
ضمن هذا المستوى فإن التصعيد الاقتصادي هو خط المواجهة الذي يحتاج لـ”خلخلة” إقليمية باتت ضرورية لرسم السيناريوهات القادمة، فالمسألة ليست مساعدات إنسانية أو اقتصادية بل تكييف الوضع الاقتصادي السوري وفق أولويات تؤثر بالتأكيد على الوضع المعيشي السوري.
المسألة الثانية هي وظائف الدولة اقتصاديا التي لم تغيرها الحرب ولو على المستوى النظري، وإذا تجنبنا آليات اتخاذ القرار فإننا سنقف عند نقطة أساسية في رسم “قوى اقتصادية” لمرحلة ما بعد الصراع العسكري.
خطورة ما يحدث أن وظائف الدولة الاقتصادية لا تتيح ظهور قوى منافسة للحالة التي أنتجتها الحرب، وهو ما جعل حوامل الاقتصاد السوري “غير الرسمي” حوامل غير إنتاجية تستند إلى الاستهلاك فقط وعدم ملء الفراغات التي أنتجتها الدولة.
ما سيحدث لاحقاً لم يعد يرتبط فقط بمسائل المبادرات العربية، إنما بالبحث عن شركاء داخليين قادرين على تحصين الاقتصاد لدعم قوة الدولة في مواجهة التشويش السياسي أو التعثر الاقتصادي، وهذا الأمر مهمة سياسية بامتياز للدولة وللقوى السياسية في الداخل.