هاشتاغ-محمد محمود هرشو
يشهد العالم جملة تغييرات ضمن مشهد متسارع الأحداث، تلعب “الدعاية” فيه حيزا مهما لحجز موطئ قدم وتغيير موازين القوى.
بالطبع ليست الدعاية وحدها ما يغير العالم، وساذجٌ من يفكر في ذلك، لكنني اخترت هذا الركن لأني سأقف عنده ملياً في قادمات السطور.
ضمن هذا المشهد الانفتاحي كان لبلدنا نصيب، والنصيب الأكبر كان قبل أيام إبّان بدء الانفتاح السوري السعودي.
وللأمانة ودون أي مبالغة، كلتا الدولتين هما بحاجة إلى الانفتاح وتغيير صورتهما المطبوعة في أذهان العالم أجمع، مع فارق كبير وتوجه “متعاكس” بين خطوات البلدين تجاه الانفتاح.
بدأت السعودية بالانفتاح من الداخل، وأخذ المواطن والمراقب والمجتمع الدولي يشهد التغيير المتسارع في السياسات وآلية اتخاذ القرار، ومكافحة الفساد.
ربما يكون للدعاية النصيب الأكبر من تلك المقاربة المشهودة، لكن المؤكد أن هذه “الدعاية” حققت المبتغى وخرج المطلوب من قوقعته وعزلته، وأيّد الطالب وشجع روعته، وأخذوا معاً يسيرون باتجاه العالم الخارجي.
أما في المشهد السوري، فقد بات المواطن كأنه يشاهد فيلماً أو حلماً لدقائق من المفترض أنها حملت طيّا لسنواتٍ عجاف مع الترقب والتكهن لما سيحصل بعد ذلك الطي والتساؤلات التي لا تحصى بين مؤيد ومعارض لهذه الخطوة؛ بدايةً من استذكار دماء الشهداء، وصولاً إلى فرضية وصول الطائرات القادمة المحملة بالريالات!
كل ذلك سيكون أرضا خصبة لـ”الدعاية”، فلا مركزية للدعاية في بلادنا، وعلى عكس ما يتوقع البعض؛ فإن الدعاية هي ما يريد أن يشيعه أصحاب القرار، لكن حتى القرار؛ وتحديداً قرار الدعاية ليس له أصحاب في بلادنا؛ فتارةً تصدر عن ضابط نافذ يريد تهيئة مسؤول لمنصب فيأمر بـ”الدعاية” لمحاسنه، وتارةً تصدر على مسؤولين متصارعين فيأمرون أدواتهم بـ”الدعاية” لمساوئ خصومهم، ومن الممكن أحياناً أن تصدر عن صفحات تواصل اجتماعي مغرمة باللايكات تؤلف قصة هوليودية عن فساد بالمليارات.
وبين كل هذه التخبطات وهذا المشهد القاتم، فإننا؛ نحن الذين تقع على مسامعنا “الدعاية” ما لنا سوى السمع والطاعة، ولأصحاب الفطنة مِنا أن يُحلل أسباب الدعاية بأنها أوامر من “فوق” لهز العصا لمن عصا، أو لمعرفة نبض الشارع حول أمر ما ! لكننا كمشاهدين -كالعادة- لا نعرف من هم الـ”فوق” ولا غاياتهم، ولا استراتيجياتهم، ولاسياساتهم!
كل ما ورد وحصل وسيحصل في إطار الدعاية والتكهن هو وليد “الفراغ”، فليس لنا من يخبرنا، أو يطلّ علينا، أو حتى يكلف قنوات ملامسة للأرض كالنقابات والنوادي أو المؤسسات التي نعمل ضمنها ليخبرنا عن مستقبل أبنائنا، أو ليشاركنا رؤيته الثاقبة تجاه هذه البلاد.
الانفتاح حصل والحمد لله، لكن شتان لو بدأ من الداخل؛ من بيوتنا وعقولنا، من صراحتنا مع بعضنا البعض عن مستقبلنا وحاضرنا، وما تضمره لنا الأيام.
شتان لو كنا شركاء لما ذُكر فنكون أحباء لبعضنا، ويكون درساً للأيام وللأجيال بضرورة عدم العبث والتخريب في هذه “التحفة” التي سنبنيها مع بعضنا البعض؛بلادنا، ونتشارك حمايتها وحرصنا عليها والاعتزاز بها، كما تشاركنا آلام حصارها، ثم شهادة نهضتها.
هو عقدنا الاجتماعي الذي نجهله، والذي سيحيّر كل من سيتعامل معنا ويحاول مساعدتنا، فلنكن على ثقة أنه في القريب العاجل سوف تبدأ مراكز دراسات ومؤسسات أمنية وبحثية لحلفائنا وأشقائنا بدراسة أرضنا وشكل مجتمعنا، نموذج اقتصانا، العزيمة على نهضتنا، كيفية تربية أبنائنا، ثقتنا ببعضنا، أين هم مثقفينا، من هم تجارنا، والكثير الكثير.. ثم يغرقون في المستنقع السوري الذي حيّر حتى أهله، ليولّوا مدبرين ما لم نكن لبعضنا مقبلين .