عادت الحدود السورية – اللبنانية لاسيما في منطقة الهرمل إلى الواجهة مجددا، بعد مواجهات مسلحة دامية منذ يومين في محيط قرية القصر.
وتعرّضت قرى وبلدات لبنانية في المنطقة للقصف من جهة الأراضي السورية، وكذلك مناطق سورية من قبل الجانب اللبناني. لتنتهي لاحقا تلك المواجهات باتفاق ثنائي بين البلدين على وقف إطلاق النار.
وأعلنت وزارة الدفاع السورية، الاثنين، التوصل لاتفاق مع وزارة الدفاع اللبنانية لوقف إطلاق النار على الحدود، بعد مواجهات أسفرت عن سقوط قتلى من الجانبين.
وأجرى وزير الدفاع اللبناني، ميشال منسى اتصالا بنظيره السوري، مرهف أبو قصرة لبحث التطورات على الحدود اللبنانية – السورية، وفق بيان أوردته الوكالة الوطنية للإعلام اللبنانية.
وأضافت: “جرى الاتفاق على وقف إطلاق النار بين الجانبين على أن يستمر التواصل بين مديرية المخابرات في الجيش اللبناني والمخابرات السورية للحؤول دون تدهور الأوضاع على الحدود بين البلدين تجنبا لسقوط ضحايا مدنيين أبرياء”.
وتسببت الاشتباكات على الحدود بمقتل 10 عناصر من وزارة الدفاع السورية خلال الساعات الأخيرة، بحسب وسائل إعلام سورية.
كما أعلنت وزارة الصحة اللبنانية، مقتل 7 أشخاص جراء أعمال العنف على حدود لبنان الشرقية مع سوريا.
وفيما تعددت الروايات عن أسباب اشتعال المواجهات ومن يقف وراءها، لاسيما بعدما أكدت وزارة الدفاع السورية أن عناصر من حزب الله تسللوا إلى منطقة غرب حمص في الداخل السوري وخطفوا 3 عناصر من الجيش، أفادت مصادر رسمية لبنانبة، أن “إطلاق النار من الجهة اللبنانية كان من قبل الجيش اللبناني في اتجاه عناصر من القوات الأمنية السورية.
لا علاقة لحزب الله
المصادر الرسمية ذاتها أشارت في المقابل إلى “أن المواجهات قد تكون بدأت بين عشائر أو مهرّبين من الجهتين، لكن الجيش اللبناني تدخل لاحقا بالردّ على مصادر النيران من الجهة السورية”، بحسب ما نقلته “العربية”.
إلى ذلك، أكدت المصادر الرسمية “أن عناصر سورية قتلت شابين لبنانين (شقيقين) بعد خطفهما من داخل الأراضي اللبنانية”.
كما أوضحت أنها “على تواصل مع حزب الله والعشائر في البقاع”، مضيفة أنهما “يراقبان التطورات الحدودية مع تسليم زمام الأمور إلى الجيش اللبناني”.
وأكدت مصادر أمنية لبنانية: “أن الجيش اللبناني عزّز من انتشار وحداته على الحدود الشرقية مع سوريا، وتحديدا في شمال وشرق الهرمل، وحشد المزيد من العناصر والآليات لمنع تكرار ما حصل”.
كما أوضحت المصادر: “أن ما حصل لم يكن عملية تسلل إلى الداخل السوري، إنما خلاف بين عناصر سورية وسكان المنطقة الحدودية، وحتى الآن لم نُحدد الجهة التي أطلقت النار من الجانب اللبناني”، مشيرة إلى أنه “لا علاقة لحزب الله بما جرى”.
وهذا يتقاطع إلى حد ما مع ما أعلنه أمس وزير الإعلام اللبناني، بول مرقص. إذ أشار إلى أن “القتلى الثلاثة كانوا مهربين وليسوا من عناصر الجيش السوري”.
كما أشار إلى أن “القصف بدأ من الجانب السوري وليس الجانب اللبناني”.
في المقابل، قال العقيد عبد المنعم ضاهر، قائد “اللواء الأول” في الفرقة “52” السورية: إن العناصر الذين قتلوا في لبنان جنود سوريون ضمن الكتيبة 52.
التوترات السياسية والمذهبية
إلى ذلك، أشار خبيران إلى أنه رغم أن إغلاق المعابر غير الشرعية يعد أحد العوامل المؤثرة، فإنه ليس السبب الرئيس.
ونوها بأن الأبعاد السياسية والمذهبية المرتبطة بتطورات الساحل السوري زادت من المخاوف وأججت التوترات، ورغم أن الوضع لن يصل إلى مستوى يهدد العلاقات بين البلدين، لكنه يبقى مؤشرا على تعقيدات أمنية وسياسية تحتاج إلى حلول جذرية.
رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات والعلاقات العامة، العميد الركن المتقاعد هشام جابر، قال إن إغلاق المعابر غير الشرعية كان أحد أسباب الاشتباكات على الحدود اللبنانية – السورية، لكنه ليس السبب الرئيس، حيث تعود جذور الأزمة إلى المسلحين التابعين للإدارة السورية الجديدة المنتشرين في القرى التي يقطنها اللبنانيون داخل الأراضي السورية، وفقا لحديثه مع “إرم نيوز”.
وأضاف: أن الاحتكاك المباشر مع العشائر اللبنانية في الجانب الآخر من الحدود، الذين هم سكان المنطقة، يجعل حدوث الاشتباكات أمرا طبيعيا ومتوقعا.
وأوضح جابر أن هناك أسبابا أخرى تزيد من حدة التوتر، من بينها العوامل السياسية والمذهبية المرتبطة بتطورات الأحداث في الساحل السوري، ما أدى إلى تنامي المخاوف لدى سكان القرى السورية وأقاربهم في الجانب اللبناني.
وأشار إلى أن حزب الله نفى تدخله المباشر في الاشتباكات، لكن من الواضح أنه يساند تلك العشائر التي تمتلك أسلحة ثقيلة بكثرة، في مواجهة القوات السورية التي تمتلك بدورها أسلحة ثقيلة، مؤكدا أن العشائر هي الطرف الأساسي في هذه المواجهات
إغلاق المعابر
من جانبه، يرى الخبير العسكري نضال زهوي أن الاشتباكات الدائرة ليست فقط نتيجة لإغلاق المعابر غير الشرعية، على الرغم من أن هذه المعابر تؤدي دورا مهما لكلا البلدين، خاصة أنها تُستخدم في شمالي لبنان لتهريب الوقود والغاز إلى الداخل السوري في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعاني منها سوريا.
وأضاف زهوي أن الحدود المشتركة بين أي دولتين غالبا ما تكون عرضة لأنشطة التهريب، لكن المشكلة الحالية تكمن في أن بعض عصابات التهريب من الجانبين السوري واللبناني تستغل الوضع القائم وتؤجج الأزمة على المستوى الوطني.
كما أشار إلى أن بعض العشائر في لبنان تعارض إغلاق المعابر لأنها تعتمد عليها كمصدر أساسي للمعيشة، في حين أن بعض الأطراف في الجانب السوري، بمعزل عن الدولة، قد تمتهن السرقة مستغلة التفاوت المذهبي والجغرافي في تلك المنطقة، ما يؤدي إلى استمرار المواجهات.
ورغم التصعيد القائم، يؤكد زهوي أن هذه الاشتباكات، على الرغم من خطورتها، لن تصل إلى مستوى يهدد العلاقات الرسمية بين لبنان وسوريا، لكنها تبقى مؤشرا على تعقيدات أمنية وسياسية تحتاج إلى معالجة جذرية
يذكر أن هذه ليست المرة الأولى التي تقع مواجهات بين البلدين، على الحدود التي تمتد على طول حوالي 375 كيلومترا، والتي تتضمن العديد من المعابر غير الشرعية حيث تنشط عبرها عمليات التهريب.