ترتفع جرعة التفاؤل بقرب التوقيع على اتفاق لوقف إطلاق النار بين لبنان و”إسرائيل” برعاية أمريكية – فرنسية، حيث تتناقل الأوساط القريبة من المحادثات والاتصالات الأخيرة التي أجراها ويتابعها المبعوث الأمريكي عاموس هوكستين، أنباء عن اتفاق وشيك قد يتم توقيعه خلال 24 ساعة.
وفي خضم هذه الأجواء المتفائلة، تدور نقاشات كثيرة حول الأسباب التي دفعت رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو للذهاب إلى وقف لإطلاق النار على الجبهة الشمالية، في توجه يناقض موقفه المتشدد والمصر على إطالة أمد الحرب، حتى قدوم الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة دونالد ترامب، وفقا لمراقبين.
بهذا الصدد، يتحدث مراقبون عن أن الضغوط الأمريكية بلغت مستوى كبيرا جدا، إذ إن نتنياهو وحكومته لا يمكنهم مواجهتها.
خاصة أن نتنياهو أصبح بفعل قرار المحكمة الجنائية الدولية منبوذا حتى في الدول التي تدعم “إسرائيل”، وهو يحتاج إلى دعم أمريكي، وسط تهديدات من إدارة بايدن باتخاذ إجراءات تقضي بحجب المساعدات والأسلحة عن “تل أبيب”، في وقت تحتاج “إسرائيل” إلى هذه الأسلحة بشكل عاجل وإسعافي.
وتشير نقاشات أخرى إلى أن الإسرائيليين لديهم بنك أهداف عسكري كبير، ولكنهم لا يريدون تحقيقه عسكريا، تجنبا لمزيد من الخسائر، وتفاديا لإطالة الحرب من أجل التفرغ لملفات أخرى في غزة والضفة الغربية.
ولذا، هناك من يقنعهم بقبول المعالجات السياسية والدبلوماسية، بمعنى السعي إلى تحقيق الأمن بالوسائل السياسية والدبلوماسية بدلا من استمرار الحرب ومواصلتها.
كما أن الإسرائيليين يحاولون وضع كل شروطهم في محاولة لتحصيلها، وذلك من خلال الإصرار على الاحتفاظ باتفاق جانبي مع الولايات المتحدة الأمريكية حول حرية العمل العسكري في لبنان لاحقًا، وقد يكونوا حصلوا فعلا على ضمانات لذلك، فضلا عن الضمانات بعدم تسليح “حزب الله”.
من جهته، الخبير الأردني ومدير مركز لغات الأمن في عمان، عامر السبايلة، يعتقد أن الاتفاق المرتقب هو مناورة سياسية بالنسبة لإدارة بايدن، التي تريد أن تحقق أي إنجاز قبل خروجها، من منطلق أنها لم تكن إدارة حروب فقط.
ويقول السبايلة إن ما قُدم هو بلا شك، وصفة رابحة بالنسبة للإسرائيليين، لأنها في النهاية تقود إلى تجريد “حزب الله” من سلاحه ومن مواقعه، وتساهم بإبقاء النفوذ الإسرائيلي في مناطق الجنوب، وهذه تهيئة لفكرة المنطقة العازلة، ثم نقل هذه الفكرة للتبني دوليا في مرحلة قادمة.
الأهم وفقا للسبايلة، هو الإبقاء على قدرة “إسرائيل” على القيام بالعمليات في داخل لبنان، أي إيقاف الحرب، ولكن عدم إيقاف استهداف “حزب الله”، وهذه بحد ذاتها بالنسبة للإسرائيليين مكسب كبير، بحسب ما نقله موقع “إرم نيوز”.
يضيف الخبير الأردني “من الواضح أن نتنياهو يقوم بما قام به سابقا، عندما خفّض مستوى الحرب في غزة تمهيدا لفتح جبهة لبنان، وهذا يعني أنه يتجه تدريجيا إلى فتح جبهات أخرى بعد الانتهاء من جبهة لبنان، وعلى الأغلب ستكون سوريا أو العراق”.
الكاتب والمحلل السياسي السوري، مازن بلال، لا يوافق على التسريبات التي تقول بأن إدارة بايدن تمارس ضغطا مكثفا على نتنياهو وحكومته لإبرام الاتفاق، مقابل تمرير صفقات أسلحة هو بأشد الحاجة لها، موضحا أن بايدن لا يستطيع الضغط في “ربع الساعة الأخيرة” من ولايته، خاصة أن نتنياهو يعرف أن صفقات الأسلحة التي أوقفتها إدارة بايدن سابقا ستنفّذ فور تولي ترامب للسلطة.
وخلافا لما سبق، يقول بلال إن المؤشرات الأولية تشير إلى أن نتنياهو خضع لضغوضات من فريق ترامب الذي يسعى لتسلم الإدارة من دون حرب، لكي يتسنى له العمل على مشروع السلام، ومن الممكن أن تكون الإدارة القادمة طرحت صفقات على مستوى المنطقة.
ويضيف: الكل بات يعرف أن إدارة ترامب لديها آمال بالسلام، وكره شديد لحزب الله، لكنها في الوقت نفسه تحاول ترتيب المنطقة ضمن معادلة تمكنها من أن تقف بوجه الصين وإيران، وهذا الأمر يستدعي هدوءا نسبيا في شرقي المتوسط.
ويرى الكاتب والمحلل السوري أن مجيء ترامب يحمل احتمالات كثيرة، لأنه يعمل وفق منطق الصفقات، وهو ما يجعله يتعامل بشكل مرن مع المصلحة الإسرائيلية، وبذلك فهو يتيح مسارات غير متوقعة.
ويلفت إلى أنه “ربما علينا عدم إهمال خلافات ترامب السابقة مع نتنياهو التي تحمل مخاطر على الصعيد الشخصي لنتنياهو، وليس على مصلحة إسرائيل عموما”.
ويذكر بلال عاملا آخر في منتهى الأهمية، قد يكون وراء موافقة نتنياهو على عقد اتفاق وقف إطلاق النار، ويتعلق بالداخل الإسرائيلي الذي “بات مرهقا نتيجة حرب غير مألوفة بالنسبة له سابقا، والآن هو مكشوف بالكامل رغم قوته، فالدفاع عن إسرائيل تطلب ثمنا باهظا لكل دول الناتو التي حمتها، على الأقل من الضربات الإيرانية”، وبالتالي يخلص الكاتب مازن بلال إلى أن التسوية باتت مطلبا دوليا قبل أن تبدأ إدارة ترامب مهامها.