الأربعاء, أبريل 2, 2025
- إعلان -spot_img

الأكثر قراءة

ما يحمله “نيروز”..

هاشتاغ – رأي: نضال الخضري

يصعب تخيل الدم في الربيع الذي يلامسنا، فالموت يتنقل على شواطئ المتوسط من الساحل السوري إلى غزة، ويجوب المدن وكأنه طيف قادر على كسر المعتاد وطمس فرح الأرض، فعندما يحل “الزمن الإسرائيلي” يصعب التمييز بين دمار الأرض والغضب القادم من أصوات الطائرات التي تجوب سماءنا، فنعجز عن رؤية أي حلم جديد بعد أن تقطعت السبل بنا وأصبحت مسائلنا القديمة كابوسا يقض مضاجعنا كل ليلة.

ليلة النيروز أو الربيع أو أي تسمية يمكن أن تنعش الروح فينا لكنها تبقينا “متلفحين” بالذنب، وبعدم القدرة على النحيب، فمنذ سنوات ونحن ننتظر أن يصبح الألم اعتيادا، ولكن عبثية حياتنا جعلت من القسوة “جلادا” يذكرنا في كل يوم أننا عاجزون عن وقف “السياط” التي تضربنا، ولا نستطيع رسم خريطة الألم؛ لأنها تمتد كل يوم وتتوسع، فهي ليست “الزمن الإسرائيلي” الذي يدهمنا؛ بل الرحيل أيضاً وفقدان المساحات التي اعتدناها، أو الوجوه الأليفة التي قررت أن تهاجر؛ لأنها أسقطت حلماً في تلك الأرض.

في الزمن الجديد هناك لون واحد، وأشكال من “القتامة” التي يصعب تجاهلها؛ لأنها جزء من تفاصيل الحياة، فالمسألة تبدأ بالصور القليلة التي نجمعها لمدينة تفقد سكانها ولكنها تبقى مزدحمة، وتغيب عنها التراتيل والأناشيد على الرغم من انتشار دور العبادة في شوارعها، فالروح التي خلقت سوريا محشورة بين رغبات “الزمن الإسرائيلي” وفوضى انهيار ألوان الطيف المعتادة لتصبح أوهاما من الماضي البعيد.

كان الربيع قوة مدفوعة بتاريخ طويل من السرديات عن “قيامة المسيح” أو عودة تموز أو حتى رموز شقائق النعمان، وكان فضاء رحبا لأحلام أجيال ترى صلابة في كل رواية تاريخية؛ لأنها تجسد حياة تعيشها، فهناك سحر خاص في ذلك التاريخ الذي يرسم لك الأرض أعيادا وخيالا خصبا يجعل من الماضي والحاضر صورة للقادم، لكن قوة التاريخ لا تستند فقط إلى السرديات والتراث، فهي أيضا ظاهرة مدفوعة بحب الحياة، وعندما تبدأ المشاهدة اليومية اتخاذ مسار قاتم فإن التاريخ ينهار، ويصبح الربيع هشا لأبعد الحدود.

هناك دم يومي يُسال من دون أن توقف دورة الربيع تلك الدوامة، وهناك أجيال بدأت تعي الحياة على أنها رغبات مدفونة بالقتل تأتينا في “الزمن الإسرائيلي” الذي يستبيح المساحات من دون أن يفكر بالألم الذي يمكن أن ينقلب عليه، وهناك أيضاً مشاهد سياسية محبطة لعالم لا يرى أن الجريمة التي ترتكب على أرض كانت تسمى بـ”أرض السلام” تستحق أن يُنظر إليها لأنها مجرد حدث سيمضي مهما طال.

ترحيل أهل غزة هو رمز فقط لرحيل يطال المنطقة بكاملها؛ لأنه حرب على كل الطيف الذي عشناه وربما ستفتقده الأجيال لاحقاً، فهو صورة متنقلة شاهدناها في شرقنا القديم، ووقاحتها اليوم أنها تصبح قاعدة للحياة، فالترحيل يطال الجميع وهو يرسم لوناً قاتماً يصعب معه استرجاع الربيع ونيروز وغيره من السرديات.

مقالات ذات صلة