هاشتاغ – رأي: نضال الخضري
بقي مسار الدراما السورية في الموسم الرمضاني الحالي في السياق الذي يهشم القيم، فبصرف النظر عن “الجودة” الدرامية لكنه ينقل تصورات تائهة بين “الفساد” و “البيئة التراثية”، والمسار المضطرب الذي يبحث عن الجمهور بادعاء “الجرأة” أصبح شكلاً مستهلكاً ومزيجاً من تركيب الأعمال الدرامية على سياق المسلسلات التركية التي تخلق واقعاً من حياة مشوهة لأبعد الحدود.
لكن أحد النماذج كان في مسلسل البطل الذي يطرح تأثيرات الحرب السورية طرحا يجردها من “هويتها”، ويضعها في أضيق مكان داخل قرية تتشابك علاقتها، ويقدم “سلسلة قيم” عن الحروب وكأنها مسار معزول عن المجتمعات، ففي “البطل” هناك “مدير المدرسة” الذي كان يشكل رمزا في الدراما السورية في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، ولكنه بطل بلا ملامح، فالسيناريو يستعجل وضعه في مكان العاجز نتيجة “بطولته” في إنقاذ أحد أطفال المدرسة، والمسار الدرامي أيضا يصوره رجلا بعيدا عن الواقع وسط حمّى الحرب.
رسم الشخصيات لم يكن المسألة الأكثر خطورة؛ بل تحول نحو وضع “قيم” غير مفهومة إلا في مسار التحول السياسي الذي حدث في سوريا مؤخرا، فالمشاهد لا يفهم من هما طرفا الصراع سوى التلميح بطرف فاسد يدافع عن وجوده، وبهذه الصورة يريد العمل الدخول إلى المرحلة السورية بتغيير وجهة النظر من الحدث السوري منذ عام 2011، وإذا كانت تلك الصورة متسقة مع الحالة السورية الجديدة، لكنها تهرب أيضا من تحديد الطرف الآخر، فالقرية تعيش صراعا بين طرفين بينما المسار الدرامي يتجه نحو تفاصيل أشكال الفساد.
ربما من المهم أن تعالج الدراما وجهات نظر متباينة، لكن “البطل” يجسد انقلابا في مفاهيم الصراع وطبيعة القيم التي رافقت مآسي السوريين على طول الأزمة، وتقدم “رموزا” هشة ليس فقط على مستوى “البطل” الذي كان يُعد رمزا للمدرسة ولكن أيضا في الأجيال الناشئة التي يصورها تصويرا لا ينحاز إلى أي طرف؛ بل إلى مسارات الفساد التي تظهر فجأة داخل الحدث ومن دون مقدمات وذلك مع تطور الحدث الدرامي.
فصورة الدفاع عن القرية تكسر كل التصورات لـ”البطل” (فرج)، فالمدافع الأساسي يتحول نتيجة هذا الأمر إلى مرحلة كوابيس تنتهي بانتقاله إلى مساحة أخرى يظهر فيها الفساد منتصرا فيغير له كل تفاصيل حياته، بينما شخصية (مروان) فإنها تخلق موقفا خاصا حياديا من مسألة “الحرب القائمة”، فهو يذهب للخدمة قسرا ويموت من دون أن يقاتل ليرسم انطباعا بعبثية “الجيش”، وتطرح صورة عنه ثقافية بالدرجة الأولى، وكأنه حالة قهر لا لزوم لها.
نموذج “البطل” ينقل الشكل الدرامي الذي يريد خلق “انقلاب” على مرحلة كاملة خلقا ينسجم مع الأدوار السياسية التي ظهرت في سوريا، فهو لا ينقل فنا بقدر كونه مجاراة عبثية تحاول خلق حالة “هجينة” وبلا هوية لواقع سوري عاشته الأرياف في مناطق مختلفة، وتحاول تجاوز الأسئلة الصعبة التي طرحتها الحرب، فالمسألة ليست في أحقية أي طرف في الصراع إنما في ما أنتجته هذه الحرب من علاقات اجتماعية جديدة كليا.
والقضية لا تتعلق بنقد فني فقط، فهناك رمزية اجتماعية يتم تحويلها نحو مسارات جديدة، فمن شهد دراما الستينيات والسبعينيات وطريقة رسم الصراع داخلها سيعرف سريعا أن مسلسل “البطل” في النهاية اجتزاء لمسألة ثقافية كبرى ترتبط بأشكال العلاقات الاجتماعية وليس فقط بـ”راوي” يشرح لنا معاناته مع سير الأحداث في العمل، فتكسير القيم هكذا بسرعة أصبح نمطا دراميا سوريا.