يوجد في الدولة محكمة نقض واحدة فقط وظيفتها النظر في الطعون التي ترفع إليها في الأحكام النهائية بسبب مخالفتها للقانون أو خطئها في تطبيقه أو في تأويله، وهي بذلك تحقق غرضين، حسب ما كتب المحامي عارف الشعال، على صفحته الشخصية على ” فيسبوك”؛
الأول، تقويم ما يقع في الأحكام من شذوذ في تطبيق القانون وتقرير القواعد الصحيحة فيما يختلف فيه من المسائل، وتثبيت القضاء بها.
والهدف الثاني، من ايجاد محكمة النقض، رفع ما تلحقه الأحكام المخالفة للقانون من الأذى والضرر بالناس بتمكينهم من الطعن فيها رجاء إبطالها وإلغائها.
وبسبب هذه الوظيفة لا يجوز أن يكون هناك أكثر من محكمة نقض واحدة في الدولة، حسب قول الشعال،
وبما أن المبادئ القانونية التي تكرسها محكمة النقض تعدُّ نهائية في تفسير القانون وسدّ نواقصه، فإن بقية المحاكم في الدولة وكذلك المواطنين في علاقاتهم التعاقدية تسير على هدي هذه المبادئ.
ونظراً لكثرة عدد الطعون، وبغية الإسراع في نظرها تمَّ فتح غرف متعددة في محكمة النقض تنظر في فرع الواحد من القانون، أي من الناحية العملية أصبح لدينا أكثر من محكمة نقض واحدة!
وكان من المفروض أن يتمّ التنسيق التام بين قضاة هذه الغرف لتوحيد اجتهادهم ونظرتهم ورؤيتهم للمسألة الواحدة حتى لا تتناقض أحكامها وتضطرب علاقات الناس التعاقدية، وتضرب أحكام المحاكم تبعاً لذلك!.
ويتابع الشعال:”لكن للأسف لم يحدث هذا التنسيق الذي تمليه المسؤولية الوظيفية للقاضي فوقع المحظور وباتت كل غرفة تنفرد باجتهادها حول المسألة الواحدة، فحدث التناقض في الاجتهاد الذي أربك المحاكم والمتقاضين”.
ويورد الشعال مثالا:” في إحدى حالات الإيجار الخاضع للتمديد الحكمي قامت لجنة بناء في العام 1985 بتأجير ملجأ البناء لعدة فعاليات تجارية،
أقامت اثنتان من هذه الفعاليات دعويان لتثبيت علاقة إيجارية خاضعة للتمديد الحكمي على هذا الملجأ، فدفعت لجنة البناء بدفع رئيسي ببطلان الإيجار كون محل الإيجار ملجأ.
قبلت محكمتا الصلح الدعوى وحكمت كل منهما وفق طلبات الجهة المدعية بتثبيت العلاقة الإيجارية.
طعنت لجنة البناء بالحكمين بطريق النقض فأتى الطعن الأول بالغرفة الإيجارية /آ/، والطعن الثاني بالغرفة الإيجارية /ب/.
الغرفة /ب/ رفضت الطعن وقبلت بمبدأ تثبيت العلاقة الإيجارية على ملجأ بحسبان أنها نشأت قبل صدور قانون لجان البناء، وأن قانون الإيجارات القديم 111 لعام 1952 يسمح بمصل هذا النوع من الإيجارات.
بينما الغرفة /أ/ قبلت الطعن ورفضت تثبيت العلاقة الإيجارية على ملجأ باعتبار أنه من غير الجائز قانون التصرف بالملكية المشتركة للبناء وبالملجأ المخصص للسكن عند الحاجة إليه، واعتبرت الإيجار باطل وغير صحيح”.
وهكذا أصبح لدينا اجتهادان متناقضان صادران عن محكمة النقض يحكمان نفس الموضوع.
ويختم الشعال:”نضع هذه المسألة الخطيرة بيد مجلس القضاء الأعلى لإيجاد وسيلة يلزم فيها الغرف المتناظرة في محكمة النقض بالتنسيق فيما بينها تجنباً لإحراج كهذا لا يليق أن تقع به المؤسسة القضائية التي نقدس”.