هاشتاغ- إيفين دوبا
الدكتور محمد حبش أحد أبرز الشخصيات التنويرية والمجددة في الخطاب الديني.
يعرفه السوريون عبر مشروعه في مركز الدراسات الإسلامية بدمشق، الذي أسسه وأشرف عليه، وعقد عدة مؤتمرات إسلامية لتعزيز خطاب التنوير الإسلامي. وأسس رابطة كتاب التنوير كما انتخب مرتين رئيساً لجمعية علماء الشريعة في سوريا.
صدر له 52 كتاباً مطبوعاً في قضايا التنوير الإسلامي كما اشتهر بمقالاته الجريئة في الصحف العربية.
يتبنى الدكتور حبش عدداً من قضايا التجديد الديني أهمها: رفض احتكار الخلاص، وتجديد فقه المرأة في الإسلام وإحياء مصادر الشريعة الغائبة مما يعني منح دور أكبر في التشريع للعقل على حساب النص.
أعلن موقفه من الأحداث في سوريا، ورفض الحل العنيف الذي تبناه النظام. واليوم يتابع مسيرته التنويرية كأستاذ للفقه في كلية القانون بجامعة أبوظبي.
“هاشتاغ” سأل الدكتور حبش عن سوريا الجديدة ما بعد سقوط نظام الأسد، وتقييمه للإدارة السورية الحالية ورؤيته لسوريا ما بعد الأسد.. التفاصيل في السطور التالية:
* ما رأيك بالطريقة التي انتهى بها نظام الأسد.. هل كنت تتوقع هذا السقوط بهذه الطريقة الدراماتيكية؟
لا في الواقع لم نتوقع هذا السقوط. لاتزال قصة سقوط نظام الأسد غامضة وغير مفهومة بشكل واضح. عندما تحرك الثوار كنا نعتقد أنها مسألة ترتبط بالمناطق البينية التي تربط بين إدلب وحلب، لم يتوقع أحد هذا الامتداد السريع. في الواقع خلال 11 يوم غاب تماماً جيش النظام.
أين براميلهم أين صواريخهم التي كانت تستهدف الناس؟
حتى الآن لا جواب عليها. لاشك أن هناك أشخاص يستحقون أن يذكروا وقد نجحوا في منع حصول المجازر، وذات يوم يجب أن نشكرهم إن كانوا من قيادات الجيش أو قوة استطاعت أن تقنع هذا الجيش الا يقاوم.
* هل زرت دمشق بعد سقوط النظام.. وهل حصل أي تواصل بينكم وبين الإدارة الجديدة؟
زرت دمشق في مطلع هذا الشهر عندما وجدنا الوقت. جئنا عندما تقدم شقيق زوجتي أسماء (كفتارو) بجواز سفرها، فقال له الموظف: “أوف ماذا كانت تفعل أختك.. لماذا كل هذا.. 4 من فروع المخابرات يطلبونها للاعتقال والترصد.”.
قال لهم شقيقها “خذوا جواز سفر زوجها (محمد حبش) فظهر أن أكثر من عشرة فروع يطلبوني، مع أحكام بالإعدام.
الموظف قال لنا” أهلاً بكم تفضلوا الوطن ينتظركم وأهلكم.. لعنه الله كان يطلب كل الشعب السوري”
كانت بداية جيدة في هذه الزيارة، التقيت الأصدقاء والأحباء في مسجد الزهراء ومسجد الأكرم وعقدنا ندوة مهمة جداً في الجامع الأموي، كانت حول تاريخ هذا المسجد والتسامح، وكانت جوابا عن سؤال التلفزيون الألماني” لماذا أعلن انتصار الثورة في المسجد الأموي؟ “
وكان الجواب أن هذا المكان كان رمزا تاريخيا للتسامح والمحبة، وفيه خمس محاريب للمذاهب الإسلامية، وفيه ضريح النبي يحيى الذي هو مسيحي (يوحنا المعمدان) وجرن التعميد وخزانة المال التي كان يديرها القديس يوحنا الدمشقي سرجون ابن منصور.
هذه المعالم من التسامح كلها موجودة في الجامع الأموي، ومن المنطقي أن يكون هذا المكان المناسب لهذا الانتصار.
* كيف تقيم أداء الإدارة الجديدة بعد شهر ونصف.. وهل ترى أن الواقع يشبه التصريحات التي تطلقها السلطة الجديدة؟
حتى الآن، الإدارة الجديدة تقدم تصريحات مقبولة، وتقريباً تتجاوب مع مطالب الشعب السوري. لا تزال هناك ثغرات كثيرة، ونحن مقبلون على امتحانين؛ الأول هو مطلع آذار حيث وعدت الحكومة الحالية أن تستكمل مهمتها وتطلق حكومة انتقالية يشارك فيها الجميع، وكذلك لدينا مؤتمر حوار وطني في الشهر القادم ونأمل أن ينجح في حضور أكبر عدد من القيادات الاجتماعية والسياسية السورية.
أعتقد بعد هذين الامتحانين ستكون الأمور واضحة تماماً.
* هل يمكن أن نرى الدكتور محمد حبش في منصب بالإدارة السورية الجديدة.. وبأي موقع؟
لم يطلب مني بالطبع ولا أعتقد أن الظروف مؤاتية، لكن أي جهد يطلب إلي في موضوع المصالحة وردم الآلام والجراح وجمع السوريين على موائد الحوار والتكامل سأكون دائماً في هذا الجانب.
طموحي أن تتشكل هيئة عليا للمصالحة والوئام وأن اكون عاملا فيها في مجال المصالحات وجمع القلوب.
* هل ترى أنه يمكن قيام دولة مدنية حديثة بمرجعية إسلامية في بلد متنوع كسوريا؟
نعم، المرجعية الإسلامية أمر عادي وطبيعي. هناك الآن 57 دولة في العالم الإسلامي 56 منها تنص دساتيرها على مرجعية إسلامية، وهذه الدول دول حقيقية مثل إندونيسيا وماليزيا ودول الخليج العربي والمغرب والجزائر ومصر. كلها دول حقيقية، وهناك نص على مرجعية إسلامية في التشريع.
هناك حتى الآن دولتان في دساتيرها تمييز بين المواطنين هما إيران وافغانستان.
وطبعا هذا الحال كان في السعودية واليمن وأؤضا في السودان، ولكن أعتقد تطورت الأمور في هذه البلاد.
لكن الآن الدول التي لا تزال دساتيرها تنص على التمييز بين المواطنين وتنص على رفض كثير من المنجزات الحضارية هما فقط دولتان، إيران وافغانستان. وإن كنا نتحدث عن مرجعية إسلامية فمن الممكن أن نبني البلد مثلما بنت دول الخليج مثلا، كلهم لديهم مرجعية إسلامية ولكن فيها قدر من الحريات. فيها قدر كبير من التنمية وفيها قدر كبير من فرص العمل والنجاح وأساليب التنمية.
أقول للسوريين: لا تقلقوا من قصة المرجعية الإسلامية للدولة، ولكن بكل أمانة، المرجعية الإسلامية يمكن أن تكون على نمط طالبان ويمكن أن تكون على نمط أردوغان، وكلنا يعلم أن تركيا يحكمها حزب العدالة والتنمية منذ 25 سنة، ولكن لا تزال الحريات في عافية والمجتمع أيضاً في عافية.
طبعا ستقولون الدستور علماني. نعم هذا صحيح يعني لا ينص على الدين لكن ال٥٦ دولة إسلامية الأخرى ينص على مرجعية الدين، و”العدالة والتنمية” تنص على مرجعية الدين في سياقها الحزبي، ومع ذلك يعيش الناس ولا يقلقون من إرادات الدكتاتورية والقهر.
نحن يجب ان نعلم المعاناة السابقة من غياب المرجعية الإسلامية والقانونية والدستورية في سوريا. كان هناك فقط دكتاتور يحكم وهذه هي النتائج.
* ما الذي يخشاه الدكتور محمد حبش بما يتعلق بمستقبل سوريا: اختلاف واقتتال الفصائل أم عودة فلول النظام أم تدخلات الخارج؟
هناك مخاوف من الفصائل المسلحة. هذا الخطاب الذي يستخدم الآن في الخارجية السورية ليس خطاب الفصائل التي قاتلت وحاربت وقدمت ضحايا. إنها تريد نمطا مختلفا من الدولة، زهذا تحدي حقيقي لا أدري إلى أي مدى ستستطيع الإدارة الجديدة استيعاب ذلك وإقناع الفصائل بأن هذا الخيار المنطقي في العلاقات الدولية هو أمر مطلوب وهو لا يتناقض مع أهداف الثورة.
هناك أيضاً كلام عن فلول النظام، ولكن لا أعتقد أن هناك أي فرصة لتشكيل قوة لعودة النظام القديم. الجميع يعلم بأن المرحلة السابقة هي مرحلة مظلمة ومخزية في تاريخ سوريا ولا أحد يريدها أن تعود.
أما تدخلات الخارج فيجب أن ننظر إليها على أنها إيجابية، نحن نريد الآخرين الآن في إقبال كبير على دمشق، ويجب أن ننظر إلى الآخرين كدول أو منظمات بأنها قادمة لتساعدنا. طبعا هي قادمة من أجل مصالحها فلا أحد يقدم مصالحك على مصالحه، لكن لماذا نفترض أن مصالحهم هي تخريب بلادنا؟
لديهم مصالح ولدينا مصالح وعلينا أن ننجح في هندسة المصالح بحيث نكون في المكان الصحيح ونستفيد من الفرص التي يوفرها حج القوى الإقليمية إلى دمشق وبحثهم عن فرص لتنمية بلادنا، وفي الوقت نفسه لتحقيق فائدتهم في الأمن والاستقرار أيضاً.
* هل تخشى على سوريا من التقسيم.. مع مجاهرة إسرائيل بتفضيل هذا المخطط؟
لا يوجد الآن في سوريا كلها من يطالب في التقسيم، هناك عدد من المخاوف عند الثوار في السويداء وأيضاً في الجنوب وأيضاً في شرق الفرات. هذه المطالب ليست مطالب انفصالية بما فيها مطالب “قسد” ووحدات الإدارة الذاتية، هي مطالب تستند إلى حقوق ووقائع مشروعة يجب أن نفهمها. يجب أن نفهم أن شرق الفرات لم يحظى بالتنمية منذ مئة عام. منذ مئة عام لم تنجح الحكومات السورية المتعاقبة بصناعة التنمية في هذه المنطقة، وكانت دائماً منطقة مهمشة عربياً وكردياً ليس كردياً فقط.
وعندما تعرضت هذه المنطقة لجريمة “داعش” لم تقم الدولة بالدفاع عنهم، لقد جلس الجيش السوري يتفرج عندما خطفت 4500 امرأة وتم بيعهن كسبايا. لم تقدم الدولة شيئاً، وهذه المطالبات لوجود خصوصية لهذه المنطقة البعيدة عن مقر العاصمة هي ليست مطالب انفصالية، هي مطالب تندرج تحت القانون، قانون سوري موجود هو قانون الإدارة المحلية، لو تم تفعيل هذا القانون كما هو سنصل إلى حل قريب جداً لما يريده الأخوة في الإدارة الذاتية.
* ماذا عن مؤتمر الحوار الوطني المزمع عقده في شهر شباط المقبل.. ما هي شروط نجاحه؟
في مؤتمر الحوار الوطني نحن ننتظر أن يتم الإعلان بوضوح عن اللجنة التحضيرية حتى نعلم مسؤولية من ينظم هذا المؤتمر طالما أنه لم يتم الإعلان عن اللجنة التحضيرية بقرار رسمي واضح، فالمؤتمر حتى الآن غامض ولا ننتظر منه الكثير.
* ما هي الطريقة الأمثل للتعامل مع قوات سوريا الديمقراطية؟
أعتقد أن الطريق هو الحوار، بدلا من التهديدات التركية المباشرة بالتدخل لسحق هذه الفئة من مجتمعنا السوري، هي في الحقيقة تهديدات غير واقعية، تهديدات استعمارية. دولة أخرى تهدد فريقاً موجوداً في بلدك، والحل هو الحوار، بأن نفهم مخاوفهم وأن نقدم لهم من قانون الإدارة المحلية الموجود، وربما بعض التعديلات أيضاً بحيث ينالون الطمأنينة.
لو طبق قانون الإدارة المحلية لما كنا وصلنا إلى هذا لكن ماكان يطبق هو سيطرة القيادة القطرية لحزب البعث والقرار الأمني على كل المحافظات، بدءا من تعيين المحافظين وعزلهم والنقابات وغيرها. غياب الشفافية والعدالة هو الذي أوصلنا إلى هذه الحال، ولا أعتقد بأن المطلوب هو عمل عسكري، فالدم لن يعود بأي فائدة على السوريين لا في الصراع البيني ولا في التدخل الخارجي، المطلوب هو الحوار والحوار والحوار.
*ما هي الكلمة الأخيرة التي يمكن أن توجهها للسوريين؟
الكلمة الأخيرة.. أقول للسوريين: الماضي كان ملطخاً بالدماء والكراهية.. الماضي ليس مقدساً.. دعونا ننظر إلى المستقبل..
المستقبل هو المقدس.