هاشتاغ | رأي: نضال الخضري
كيف استطعنا جعل الزمن هامشاً ضيقاً لكل التفاصيل؟ فطوال سنوات الحرب كان الانتظار هو سيد المشهد، وكان المجتمع ينتظر لحظة خلاص مبهمة لا تزال مستمرة حتى اللحظة، وما حدث في حرب غزة كان انتظاراً أيضاً ممزوجاً برائحة الدم وصور اغتيال البراءة، ومحاولة للبقاء على حدود الموت إلى أن يتم تحضير صفقة ما، وبقي الزمن يسخر من حالة الاعتياد التي ترسم على وجوهنا تفاصيل لوحة مبهمة.
الزمن اليوم لا يغيب فقط عن المشهد السوري بل أيضاً كل الثقافة التي لا تحمل بجذورها سوى فعلين أساسيين: فالأول هو ما يجري والثاني هو الذكرى التي مضت، بينما يبقى البحث عن المستقبل وحركة الزمن جزءاً تم تحييده من ثقافتنا، وأصبح خارج أي ملاحظة يمكن البحث عنها في الحياة العامة، أو في التفكير الذي يرسم المستقبل، وحذف الزمن يضع الجميع خارج حركة العالم الذي ينبش كل اليوم بمعارفه كي يجعل من الوقت عاملاً ًيحسم كل خياراته.
في ثقافتنا امتداد سياسي وفكري لحسابتنا العالقة عند نقطة فاصلة ما بين الماضي والحاضر، بينما يبقى “الغد” تفاصيل ننساها في زحمة الصراع اليومي داخل تاريخ حي في كل التفاصيل؛ ابتداء من اللغة التي تكوّن الحاضر وانتهاء بالمخيال الاجتماعي الذي يحرض مساحات آمالنا، فالماضي ليس حاضراً فقط بل يقرر كل الحياة التي نعيشها، فالانتصار يعني استمرار ما نقتنع به وليس حالة توليد أفكار وخلق عوالم جديدة، والهزيمة هي انتظار تاريخي للحظة إعجاز تعيدنا إلى إيقاع الحياة، ويضيع الزمن داخل هذه الحالة التي نغرق فيها منذ أجيال.
المسافات التي تفصلنا عن “الانتصار” مرتبطة بآلية تفكيرنا، وطريقة التحول التي نوجدها كي نخلق الأوهام هي أيضاً هروب من تحديات الزمن الذي يفرض نفسه ويكتب تاريخ من استمروا في مساحة الأوهام، ولم يخرجوا إلى المساحات المشرقة في عالم يتحرك باستمرار، فالسكون القاتل الذي نعيشه منذ عقود يفرض نفسه اليوم حتى في الشكل السياسي الذي يدهمنا، أو حتى في الصور المتلاحقة التي تمر أمامنا كشريط من الغرابة، وتجعل الجميع يبني أوهام المستقبل على مساحة انهار بها الزمن.
نحن بانتظار “الشرق الأوسط الجديد” كما قررته حرب غزة التي مثلت حالة صارخة لانهيار “الانتظار”، أو ترك الزمن يتصرف بنا، فربما أثبتت الحرب عجز “إسرائيل” عن “اجتثاث” حماس، لكن الجميع سقط في امتحان الزمن الذي قرر أن المنتصر هو من يستطيع تغيير معادلات السياسة وفق “الزمن” وليس بجعل الصور جامدة في مساحة الذاكرة، ووسط قلقنا من اكتشاف أن الخسارة أكبر من أي صور للانتصار فإن “الامتحان” الحقيقي لثقافتنا ما زال مستمراً، والحصار المفروض علينا ما بين الفعل الماضي والحاضر يعيد إنتاج حالة عقم تجعلنا نعيش وهم الفرح والانتصار، وتمحي تفاصيل وجوهنا لتضعها أمام صورة بائسة لأوهام جديدة نخلقها بعيداً عن الزمن.