هاشتاغ_رأي نضال الخضري
أحاول لملمة خيط الذاكرة البصرية من ستينات القرن الماضي إلى العقد الثاني من القرن الحالي، والبحث عن مساحة الاسترخاء التي كتبت ملامح فنانين وأجيال حلّقنا معهم، وألهبوا خيالنا.
أسعى للابتعاد عن وهم “الزمن الجميل”، فما كان ساحرا هو قدرة البث التلفزيوني على سرقتنا من تفاصيل الملل، وكتابة فصول من الابتسامة أو التأثر والنفور وصولا إلى حافة يصعب تفسيرها، فثلاثة عقود من البث الفضائي كانت كفيلة باحتكار الفن بموسم واحد، وباختصار كل التفاصيل الدرامية بألوان متنوعة وفي نفس الوقت خانقة.
المسألة مرتبطة باستفزاز لا يتعلق بأي تفوق تقني أو انتقاد لبعد إنتاجي، بل “بتجاوز ثقافي” يرسم حياتنا على هواه، ويحرمنا في نفس الوقت من ملامسة تفاصيل الجمال الذي نحلم به، ففي الستينات لم تكن الأجيال مضطرة للتعامل مع إنتاج ثقافي “سائل”؛ يملك توليفة لكل الأمزجة والبيئات، والبث الفضائي منذ بدايته كأمر واقع لم يوسع الخيارات إنما أغرقنا بمواضيع تستنفر غضبا غير مسبوق.. هو غضب من تفاصيل ربما لن نصادفها.. نسمع عنها.. فهي سردية لا تملك أي طرافة سوى قدرتها على تشويهنا.
كل ما نشاهده يمكن أن “يسحر” البعض، أو يدفع جيشا من المدافعين عن الأداء أو السردية التي ينقلها العمل، وفي النهاية ينتهي رمضان وربما لا نتذكر هل شكلتنا الدراما.. هل رسمت صورة ثقافية قادرة على احتوائنا؟ السؤال الذي يرتسم مع كل عمل يبقى في ما حفره فينا كحالة ثقافية تشمل المتعة بالدرجة الأولى، فهل بقيت الدراما ظاهرة تشدنا؟
ينتهي رمضان ولا تغيب الدراما إنما ينحسر الألق الذي تروج له الفضائيات، فعندما كنا نفرح بـ”الدراما السورية” فلأنها كتبت هوية فنية تبعثرت قبل الأزمة، وربما لم تستطع الوصول إلى خلق “صناعة” لا تعطينا المتعة فقط، بل “قيمة مضافة” للإبداع والإنتاج، فالعمل الدرامي ظهر أمامنا منذ بداية البث التلفزيوني كخلاصة لكل الإنتاج الثقافي، وينتهي اليوم في إطار استهلاك الزمن الرمضاني على حساب أعصابنا.
كلما مضى الزمن بدت الدراما واحة مشوهة بـ”الفراغ” الذي تفرضه “التوليفة” التي فرضها البث الفضائي، فهو “بث” لم يُعولم” الدراما إنما أعاد صياغتها وفق شرط مستحيل يريد المرور عبر الزمن الرمضاني فقط، في وقت يصعب فيه حد “الدراما” بأي شرط مسبق، وفي حالة مناقضة تماما يصبح هذا “الشرط” كسر افتراضي لـ”محرمات” لكنه يصيغ المحرمات على سياق “جوقة عزيزة” أو “شارع شيكاغو” أو غيرها من الأعمال.
تختصر الدراما كل أشكال ثقافتنا.. والمفارقة أن هذا الاختصار ينتج “نجوما” وليس “أعمالا”، ويجر معه فضاء من تشوه التفاصيل أو ربما “شذوذ” الأشكال التي تتراكب كلما أضيف على حياتنا مسلسل جديد، أو تصور دون خيال، أو توليفة ثقافية تملك طموحا غير مشروع في تغيير الذائقة الفنية.