كان لافتاً تحرك آلاف السوريين سواء في وسائل التواصل الاجتماعي أم في الواقع الميداني لتشكيل مجموعات ضغط وتحركات شعبية ترفض أن تتحول سوريا البلد متعدد الأديان والأعراق إلى دولة دينية على النمط الأفغاني أو الإيراني.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، ما الذي دفع السوريين لهذه التحركات؟ ولماذا بعد أسبوع فقط من سقوط نظام بشار الأسد وتولي حكومة الإنقاذ -التي تم استقدامها من إدلب إلى دمشق- السلطات التنفيذية؟
قد يكون سبب ذلك أن جميع وزراء حكومة الإنقاذ والمحافظين وقادة الشرطة الذين تم تعيينهم ينتمون إلى لون ديني واحد.
أضف إلى ذلك أنه بدأت تصدر تصريحات عن بعض مسؤولي حكومة الإنقاذ تتحدث عن تقييد دور المرأة وشروط عملها وظروف اختلاطها بالرجل في بلد تبوأت فيه المرأة مناصب قيادية ونيابية وشاركت في العمل السياسي ضد الاحتلال الفرنسي قبل عقود من الزمن، الأمر الذي أثار تساؤلات في الشارع السوري إلى أين نسير بسوريا؟
ليس هذا فحسب، بل إن أداء طلاب الجامعات السورية صلاة الجماعة في ساحات الجامعات، أثار أيضاً تساؤلات عدد من السوريين، هل تتحول الجامعات إلى جوامع؟ ومطالبات بضرورة ترك الجامعات للعلم والجوامع للصلاة.
وقبل يومين، احتشد مئات الشباب في ساحة الأمويين مقابل دار الأوبرا بمسمى “الشباب السوري المدني” ونادوا بإقامة الدولة المدنية ورفعوا لافتات كتب عليها “دولة مدنية لا دينية” كما تم تفعيل هاشتاغات تدعو إلى الدولة المدنية الديمقراطية في البلاد، وهذا مؤشر إيجابي يحسب لصالح العهد الجديد بشأن ضمان حرية التظاهر والحريات العامة.
هذا التحرك واجهه مؤيدو إقامة الدولة وفق النموذج الإسلامي باتهامات للمشاركين بأنهم من فلول النظام ومروجي العلمانية التي تسمح بالشذوذ وغير ذلك من اتهامات هي خارج سياق التحرك الشبابي.
لاشك في أن سوريا اليوم في مرحلة إعادة بناء الدولة، وهي مرحلة مفصلية مهمة جاءت بعد 14 عاما من حرب دموية ذهب ضحيتها عشرات الآلاف من الأطراف المتحاربة، مرحلة مثقلة بالآلام على المستوى الإنساني والاجتماعي، ومرهقة اقتصادياً وسياسياً وتتطلب من السوريين المزيد من الحكمة والصبر والتحاور بعيداً عن لغة التخوين التي كانت سائدة سابقاً.
فالحرية التي حملها الثوار ودافعوا عنها، لن تكون حرية إذا احتكرتها فئة من دون أخرى، والنصر الذي تحقق لن يكون نصراً في حال حوّله البعض إلى نصر فئة على أخرى. وحتى تكون سوريا منتصرة بكل فئاتها ينبغي أن نتحلى جميعنا بالحكمة والتعقل والصبر، لأن ما خسرناه ضاع وانتهى، وينبغي أن لا نخسر ونضيع المستقبل بمهاترات واتهامات وتراشقات ليست في صلب موضوع بناء الدولة.
قائد الإدارة الجديدة أحمد الشرع، أرسل في لقاءات صحفية عدة، تطمينات للسوريين بأن سوريا لن “تُحكم بعقلية الثورة بل بعقلية الدولة” وأن الاحتكام في حل الخلافات بين السوريين يكون باللجوء إلى دولة القانون التي سيتم الاتفاق عليها في المؤتمر الوطني والدستور.
وقال أيضاً إنه “لا يمكن أن نتوقع بلداً بحجم سوريا وثرائها بمكوناتها المختلفة وأن يسودها رأي واحد، فالاختلاف جيد وصحي وهذا النصر الذي تحقق ليس نصراً لفئة على أخرى بل نصراً لكل السوريين”.
وأكد في لقاء مع تلفزيون (بي بي سي) أن سوريا لن تكون نسخة من أفغانستان، قائلاً: “إن البلدين مختلفان للغاية ولديهما تقاليد مختلفة، بوصف أن أفغانستان مجتمع قبلي”.
مشيراً إلى أنه ستتم الدعوة إلى “مؤتمر وطني جامع لكل السوريين يصوت على مسائل مهمة مثل حل الدستور والبرلمان وتشكيل مجلس استشاري يملأ الفراغ البرلماني والدستوري في المرحلة المؤقتة، حتى تكون هناك بنية تحتية للانتخابات في ظل وجود قرابة نصف السوريين خارج البلاد”.
التطمينات التي أرسلها الشرع لم تكن كافية لتهدئة قلق عدد من السوريين الذين يقولون إن هذه التصريحات تحتاج إلى تطبيق على الأرض سيما في ظل تعيينات وتصريحات من مسؤولي الإدارة وحكومة الإنقاذ تخالف هذه التطمينات.
الحراك السوري اليوم مهم للغاية طالما أن الهدف هو بناء سوريا المستقبل وفق أسس الحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة بين مختلف أفراد الشعب في الحقوق والواجبات.