الجمعة, سبتمبر 6, 2024
HashtagSyria
- إعلان -spot_img

الأكثر قراءة

الرئيسيةالواجهة الرئيسيةمفاوضات الوقت الضائع

مفاوضات الوقت الضائع

هاشتاغ | رأي: مازن بلال

كانت الجامعة العربية واجتماعات القمة قبل عقدين أو أكثر مليئة بالتناقضات، ولم تستطع في كثير من الأحيان منع الأزمات أو الحد من انتشارها، لكنها على أقل تقدير شكلت غطاء سياسيا يمنع الانتهاك المطلق الذي تمارسه “إسرائيل” اليوم، وقدمت طوال سنوات مادة سياسية تُناقش في مجلس الأمن وتضع حدودا للدعم المطلق الذي نراه اليوم لحكومة نتنياهو.

أتاحت الجامعة العربية أيضا ظهور تنسيق ولو بالحد الأدنى للمجموعات الإقليمية العربية كي تضمن أمنها، وكانت المسائل العربية محصورة ضمن إطار الدول العربية من دون أن تصبح مادة لرسم استراتيجيات إقليمية ودولية كما يحدث اليوم، وانهيار نظام الجامعة كان نتيجة تراكم التناقضات عبر عقود طويلة، ولكنه في الوقت نفسه خلق حالة كشف استراتيجي نراه اليوم في حرب غزة، وفي شكل المفاوضات الذي يقدم فرصا لـ”إسرائيل” ويتيح استباحة معلنة ووقحة لإبادة الفلسطينيين.

بالتأكيد فإن زمن الجامعة العربية انتهى بالكامل منذ أصبحت جزءا من آلية اختراق سيادة الدول العربية عبر الأزمة الليبية وبعدها السورية، وانتهى أي فعل سياسي عام لصالح تحالفات ثنائية أو حتى تصرفات أنهت كليا أي غطاء سياسي يمكنه أن يتيح حماية بالحد الأدنى لأي قضية عربية وليس حصرا الموضوع الفلسطيني، والبحث اليوم عن الأمن الإقليمي لشرق المتوسط أو للخليج العربي أو حتى لشمال إفريقيا بات مرهونا بالتوازنات الدولية فقط من دون أي هامش سياسي ولو ضيق يمكن عبره النفاذ إلى عمق تلك الأزمات وتشكيل نوع من الردع السياسي.

عمليا فإنه منذ الانتفاضة الفلسطينية الثانية (2000) كانت مسألة الغطاء السياسي معضلة مركبة، فالانتفاضة الأولى (1993) حركت المبادرات السياسية، وسواء اتفقنا مع التسويات التي أنتجتها أو اختلفنا، لكن وبفعل الغطاء السياسي الهش أوجدت واقعا جديدا، بينما لم تستطع التضحيات اللاحقة كلها أن تغير من طبيعة الاحتلال، بل بخلاف ذلك أنهت أي إرادة سياسية إقليمية أو دولية للتعامل الجدي مع الموضوع الفلسطيني، وهذا الأمر ينسحب إلى الأزمات الأخرى كافة، فالغطاء السياسي العربي سابقا وعلى الرغم من هشاشته استطاع وقف الحرب الأهلية اللبنانية، وعلى الرغم من أنه لم يستطع أن يتيح بيئة سياسية للبنان للعودة لحياته الطبيعية، فإنه جمد الجبهات، وبعد عقدين ظهرت معاهدات جديدة باستغلال توازن دولي أنهى مقومات الحرب كلها، وتركت لبنان بتناقضاته السياسية كي يتعامل مع مسائله الداخلية من دون جبهات عسكرية، وربما لا يتفق الكثيرون مع اتفاق جدة لكنه على أقل تقدير غيّر المعادلة اللبنانية ووضعها ضمن إطار سياسي.

ما نبحث عنه اليوم هو غطاء سياسي لإنهاء الاستباحة و “العربدة الإسرائيلية”، وليس وساطة عربية تمنح نتنياهو الفرصة والوقت كي يمارس الإجرام، فالفلسطينيون وقبلهم السوريون والليبيون يحتاجون إلى مساحة سياسية وليس إلى أدوار عربية تعمل عملا مستقلا ضمن منافسة إقليمية حادة، فحرب غزة تؤكد من جديد أن الإجرام “الإسرائيلي” هو نموذج لفقدان الغطاء السياسي الذي جعل من أزمات الشرق الأوسط حلبة تنافس لممارسة أدوار سياسية طائشة.

مقالات ذات صلة