فتحت الحكومة اللبنانية ملف اللاجئين السوريين في مشهد يحمل الكثير من إشارات الاستفهام حول آلية خروجهم من الأراضي اللبنانية، وقدرة السلطات الرسمية في تنظيم هذه العملية دون إثارة منظمات المجتمع المدني في لبنان والعالم، فمسألة اللجوء تعود بشكل مختلف إلى واجهة العلاقات الإقليمية وضمن حدا أدنى من التصريحات الدولية، وهو مؤشر على أن العملية يمكن أن تتم وفق نموذج خاص يلعب فيه التوقيت عشية انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون دورا محوريا، فورقة اللاجئين يمكن استخدامها في التوازنات السياسية اللبنانية، واستثمارها داخل الملف المتشابك ما بين الأزمة السورية والعلاقات الإقليمية.
عمليا فإن اللاجئين كانوا ضمن رهانات دولية وإقليمية، خصوصا فيما لو تم التوصل إلى تفاهمات بخصوص “المرحلة الانتقالية”، وعلى امتداد عقد كامل كان ملف اللجوء ظاهرة إقليمية يصعب التعامل معها دون الدخول في تعقيدات العلاقات الدولية مع دمشق، وإمكانية توازن مع الحكومة السورية عبر قوة بشرية ضاغطة في حال حدوث انتخابات تؤدي لنهاية الأزمة، فهم وفق تقديرات المفوضية العليا للاجئين مازالوا يشكلون العدد الأكبر بين النازحين في العالم (ما نسبته 27% من أجمالي اللاجئين على المستوى الدولي)، وكافة مسارات التفاوض كانت تضع مسار اللجوء ضمن إطار الحل النهائي للأزمة، في المقابل فإن المخيمات ردفت طوال سنوات الحرب بعض الفصائل بخزان بشري سواء عبر المخيمات في الشمال السوري أو من الجنوب عبر الحدود الأردنية، لكن هذه الصورة تحتاج إلى رؤية مختلفة على الأخص مع انتهاء الجبهات العسكرية في الكثير من المناطق السورية، واشتعال الجبهات الاقتصادية ليس في سوريا فقط بل في العديد من دول شرقي المتوسط.
موقع اللاجئين السورين ضمن إطار اللجوء بشكل عام حتى نهاية 2021
عودة قوافل اللاجئين من لبنان تطرح الملف من الخاصرة الرخوة لكل مكوناته، فرغم أن العدد الإجمالي في لبنان ليس الأكبر لكنه الأكثر مرونة من حيث القدرة على التأثير عليه، فبعكس تركيا يعتبر هذا الملف على المستوى اللبناني مجال تجاذب بين القوى السياسي في ظل عدم وجود سياسة مركزية، وهو في نفس الوقت لا يخضع لقوى سياسية سورية معارضة كما حدث سابقا في تركيا، إنما تشكل لبنان بالنسبة لكثير من اللاجئين “محطة” من أجل الانتقال باتجاه أوروبا أو الأمريكيتين.
في عام 2014 وصل عدد اللاجئين السوريين في لبنان الخاضعين لإشراف المفوضية العليا للاجئين إلى حده الأقصى (1147494 لاجئ)، ثم تراجع ابتداء من عام 2016 ليصبح في عام 2021 بحدود 840929 لاجئ، وبعكس دول اللجوء الأخرى فإن طلبات الاستقرار في لبنان بقيت وفق المفوضية ضمن الحدود الدنيا، وهذا يعود إلى طبيعة القوانين في لبنان ولظروف حياة اللاجئين فيه، وتراجع الأرقام في أعداد اللاجئين يعود إلى انخفاض موارد المفوضية بالدرجة الأولى نتيجة جائحة كورونا، في وقت باتت المخيمات معزولة عن التأثير المباشر على الأزمة السورية بعد تصفية البؤر المسلحة في عرسال ما بين عامي 2017 و 2018.
السؤال الذي يطرح نفسه اليوم مرتبط بتأثير عملية الانتقال للاجئين على كل من سورية ولبنان، فالأعداد حتى اليوم ما تزال ضمن حد لا يمكن معه البحث عن تأثيرات، لكن تواتر الخروج إن استمر فإنه سيطرح أمرين:
الأول إمكانية خروج اللاجئين ككتلة سكانية من معادلة التفاوض، فتحركهم نحو دمشق سيلغي رهانات وجودهم كقوة انتخابية يمكن للمعارضة في الخارج التأثير عليها.
الثاني يرتبط بتوزع باقي اللاجئين حيث تستضيف أنقرة العدد الأكبر ضمن المخيمات، وسياستها في خلق حيز جغرافي لهم في الشمال السوري في مواجهة قسد مؤجل اليوم، في وقت تستعر الصراعات بين الفصائل في أدلب بشكل يمكن أن يغير خارطة توزع اللاجئين، وربما يحمل معه شروطا تركية جديدة أو حتى معادلات جديدة في أكثر المناطق تعقيدا داخل الأزمة السورية.
يمكن النظر إلى نجاح عودة اللاجئين كاختبار حقيقي لعملية تبريد الأزمات على مستوى العلاقات الإقليمية، لكن من المستبعد أن تؤدي إلى شكل جديد طالما أن عمق الأزمة السورية مازال ضمن الصراع الدولي بين روسيا والولايات المتحدة، وربما على نفس نسق عودة العلاقات بين دمشق والدول العربية (الإمارات مثالا)، سيشكل عودة النازحين شكلا تقنيا للعلاقات بين البلدين دون أن يصل لحدود سياسية إضافية، فعلاقة دمشق مع بيروت ماتزال منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري ضمن مساحة التأثيرات الدولية على الأطراف اللبنانية، فاللاجئون لم يكونوا سوى لانعكاس اضطراب العلاقة بين البلدين بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان.