هاشتاغ-عصام التكروري
لعلَّ من أبرزِ سماتِ النُظمِ التعليمية العقيمة هي اعتمادها الامتحان كوسيلة وحيدة لقياس النبوغِ، وعلى غرار المبيدات التي تسوّي ما بين العضويات النافعة والضارة فإنَّ الامتحان لا يقيم وزناً للفروقات الفردية بين المتقدمين كونهُ يخضعهم جميعاً إلى مُسلّمة ببغائية تعتمدُ على نقلِ المعلومةِ من الكتابِ إلى الرأسِ، ومن ثم تقيؤها على ورقةِ الامتحانِ في قاعةٍ مدججةٍ بالمراقبين، لتكونَ بعدها النتيجة أما ناجح أو راسب.
في الواقع، لا يطرحُ مصطلحُ “راسب” مشكلة معرفية بمقدارِ تلكَ التي يطرحها مصطلحُ “ناجح”، فالعلامة المُتحصلة تكونُ المقياسَ الوحيدَ للتعرفِ على “الأول” من بين الناجحين دونَ أنْ يكونَ هناكَ أدنى مقياس للتعرفِ على “الفريد”، فالامتحاناتُ حوّلت الطلابَ جميعاً إلى “معلومة تُستفرَغ على ورق” دون أدنى اعتبارٍ لما يتمتع بهِ بعضهم من قدرة استثنائية لعرضِ المعلومة بشكل جذّاب، أو قدرتهم على تحليليها ونقدها، أو الإتيانِ بما هو أهم منها، وعليه، فإنَّ الامتحان يساوي بين الناجحِ “الأول” من جهة، والناجحِ “الفريد” من جهة ثانية دونَ الأخذِ بالحُسبانِ وزنَ القوةِ المعرفية التي يمتلكها “الفريد” ويفتقدها “الأول”؛ تلكَ القوة التي تتجاوزُ المعلومات التي يحتويها المنهاج التعليمي إلى التقصي المعرفي الإرادي و الحرّ الذي يشعلهُ الشغف، ويجعلُ من اختبارِ المعلومةِ الهدف الأول “للفريد” الذي لا يسمح لنفسه بالقيام بحشوها “دوغما” في ذهنهِ، على حين ينصبُّ مجهودُ “الأول” على الحشو النَّهمِ للمعلومات دون اختبارها، فهدفه محصور بالحصول على العلامة الأعلى فقط.
طالما شكّلت القوة المعرفية المُتحصلة ذاتياً ـ ومن خارج نمط التعليم الببغائي ـ رافعةَ الإبداع البشري، من هنا كانت الشعوبُ التي تركزُ على إنتاجِ “الأول” تكتفي بالتفاعل مع مُنتجات الحضارةِ وتتعلمُ الإفادة منها، بينما الأممُ التي تركزُ اهتمامها على إنتاجِ “الفريد” تراها هي من تُصنّعُ الحضارةَ وترتقبُ مساراتها وتقومُ بتوجيهها، لذا كانَ تطورُ البشريةِ ( التطور هنا لا يعني بالضرورة الارتقاء) منوطاً “بالفريد” لا “بالأول”.. لماذا؟
لأنَّ :
“الأول” يسعى للحصولِ على المعلومةِ، بينما يسعى “الفريد” لامتلاكِ المعرفة.
“الأول” يتمتعُ بعقلٍ مطمئنٍ، بينما يتمتعُ”الفريد” بذهنٍ قلقٍ معرفياً.
“الأول” يمتلكُ عقلاً تقريرياً، بينما “الفريد” يتمتع بذهنٍ نقدي.
“الأول” مثقف مؤسسي، بينما “الفريد” مثقف عضوي.
“الأول” يُعلٍّم ما اختزنه في مستودعاتِ العقلِ، بينما “الفريد” يُلهمُ العقولَ التي يُعلّمها.
“الأول” هو سلعةُ العقلِ والمرّوجُ لكافة سلعِ العقل، بينما “الفريد” هو المُنتِج لسلعِ الذهنِ و المُبشر بمستقبله.
“الأول” يعملُ بجهدٍ، لكنَّ “الفريد” يعملُ بشغفٍ.
“الأول” يخشى البطالة، لكنَّ “الفريد” يعتبرها فرصة لخلقِ عملٍ جديدٍ.
“الأول” واقعي يحتاطُ للمستقبل، لكنَّ “الفريد” رؤيوي يعيشُ للمستقبل.
“الأول” يسعى لتبؤ المناصب، لكّن “الفريد” يسعى إليهِ أصحابُ المناصبِ ولو على مضض.
“الأول” هو مدير، بينما “الفريد” هو قائد إداري.
“الأول” ذو لونٍ وحيدٍ رصينٍ، بينما “الفريد” ملوَّن بدون بهرجة.
“الأول” يفكرُ باللونِ الأبيض، بينما يُفكرُ “الفريد” بالموشور.
ببساطة:
“الأول” يرى الحياةَ بمنظارِ الزوج، “الفريد” يعاينها بعينِ العاشق.