هاشتاغ-مازن بلال
يصعب فصل ما يحدث في شرقي الفرات عن التوترات التي خلفتها التقارير الخاصة بشأن الحدود العراقية السورية، فالمعارك الدائرة في ريف دير الزور دفعت التوتر في الشمال السوري إلى أقصاه، وتزامنت مع خرق أمريكي لخفض التصعيد المُوقع عام 2017 بعد قيام “طيران التحالف” بمهام قتالية في البادية السورية، فهذا المشهد يرسم ملامح جديدة في الأزمة السورية التي تبدو أنها تتقلب على إيقاع التوتر الدولي.
كانت مشكلة الولايات المتحدة منذ عام 2011 في استراتيجيتها تجاه سوريا، فهي تنتظر اكتمال تداعيات الحرب، وهو أمر ليس جديدا بالنسبة لواشنطن حيث تبدو السياسة مرتبطة بالمشهد النهائي حتى ولو طال انتظاره، والحدث الحالي الأهم حاليا هو الاضطرابات في شرقي الفرات التي أفضت عمليا عن اقتسام عسكري بين العشائر وقسد، وفي نفس الوقت حركت مسألة الموقف التركي تجاه ما يسمى “الإدارة الذاتية”، فانتشرت المعارك على طول الشمال السوري وصولا إلى ريف اللاذقية.
عمليا لم يكن متوقعا من واشنطن أي تحرك لتهدئة الوضع، فهو يمثل حالة نموذجية لترتيب الأوراق في مقابل التواجد العسكري الروسي في سوريا، وفي وقت لا تبدو التحركات الدبلوماسية مجدية تجاه الوضع السوري عموما، فواشنطن تنظر لما يجري وفق اتجاهين:
الأول يرتبط بعملية الفرز التي تحدث في محافظة دير الزور، وهو ليس “فرزا” على مستوى العشائر العربية و”قسد”، إنما خلق جبهة على مساحة الحدود العراقية – السورية تفرض واقعا مختلفا، وتغير من الحالة التي كانت سائدة قبل المعارك الحالية.
التوتر الحاصل سيشكل اختبارا حقيقيا لمسألة ما تسميه الولايات المتحدة “الفصائل الإيرانية” المنتشرة في المنطقة، فالعشائر بعد معاركها غدت قوة اعتبارية يمكنها تشكيل نفوذ مختلف عن السابق عندما كانت مرتبطة بشكل أو بآخر بـ”الإدارة الذاتية” وبـ”قسد”، والملاحظ هنا أن المباحثات الأمريكية الأخيرة مع الأطراف في شرقي الفرات لم تتحدث عن إيقاف المعارك إنما عن تهدئة وهو اعتراف ضمني بطرفين أساسيين، كما اعلنت عن دعمها لقسد في مواحهة الإرهاب وهو أيضا تخلي عن الانحياز لأي طرف.
الاتجاه الثاني هو معضلة الموقف التركي تجاه شرقي الفرات عموما، فمع تطور العلاقات الأمريكية التركية الأخيرة، أصبح من الضروري تفكيك هذه “المعضلة” ووضعها في مسار محدد ضمن العلاقات بين أنقرة وواشنطن.
أنقرة بدورها أشعلت الجبهات التي تسيطر عليها وخصوصا في منبج، وباتت القوات المدعومة من طرفها تحت الضوء من جديد، فالشريط الحدودي في مقابل قسد يشتعل من جديد ويقدم نموذجا عن فشل عملية الفصل التركي مع المناطق التي تسيطر عليها قسد، ومن غير المؤكد نوعية السياسة الأمريكية تجاه هذا الموضوع، لكنها تراقب التوازن الخطر الحالي الذي أصبح جزءا من علاقتها بالمنطقة.
فصول الأزمة السورية تكرر نفس السيناريو مع عجز أي طرف على رسم ملامح سياسية جديدة، فالتطورات الأخيرة توضح أن التبدلات في غياب العملية السياسية ستؤثر على مواقع كافة الأطراف مستقبلا، وحتى “قسد” التي تعترف الولايات المتحدة بدعمها في مكافحة الإرهاب؛ بدت مأزومة مع عدم القدرة على ضبط وإدارة مناطقها في ظل التوتر العسكري، فبدون العملية السياسية سيبقى الجميع ضمن مساحة خطرة تهدد الوطن بأكمله وليس طرفا واحدا.