Site icon هاشتاغ

من الثبات إلى الانهيار.. كيف تراجعت العملات العربية في ثلاثين عاماً؟

كيف تراجعت العملات العربية في ثلاثين عاماً؟

كيف تراجعت العملات العربية في ثلاثين عاماً؟

في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، كانت العملات العربية، بما فيها عملات الدول غير النفطية، تتمتع بقوة وثبات في سوق الصرف العالمي، مقابل العملات الأجنبية.

ولكن بعد ثلاثة عقود، تحولت الصورة إلى العكس تماما، فأصبحت العملات العربية تواجه موجات عاتية من التراجع والانهيار، ما أثر سلبا على الوضع الاقتصادي والاجتماعي للشعوب العربية.

العملات العربية في الثمانينيات: قوة وثبات

في الثمانينيات، كانت العملات العربية تمثل صورة قوية في سوق الصرف، أمام العملات الأجنبية. ولك أن تتخيل أن الدولار الأميركي كان وفق أرقام قاعدة بيانات البنك الدولي:

– أقل من جنيه مصري (70 قرشاً فقط).

– 3.9 ليرات سورية.

– الدينار الأردني 3 دولارات.

– الجنيه السوداني يعادل 2.6 دولار.

– الشلن الصومالي يعادل 3.4 دولارات.

– الدينار العراقي يعادل دولارين.

وكانت هذه القوة والثبات ناجمة عن عدة عوامل، منها:

– اتباع بعض الدول العربية لنظام الاقتصاد الاشتراكي وسيطرة الدولة على النشاط الاقتصادي، وتقييد التعاملات الخارجية بالصفقات المتكافئة، والعمل على إحلال الصادرات محل الواردات، عبر شركات القطاع العام.

– عدم وجود طلب كبير على النقد الأجنبي، نظرا للقيود المفروضة على السفر للخارج، والسياسية النقدية التي تعتمد نظام التسعير الإداري للعملة المحلية، وبالتالي كانت أسعار صرف العملات العربية لا تعمل وفق آلية العرض والطلب.

– عدم وجود سوق موازية نشطة للنقد الأجنبي، نظرا لصعوبة الحصول عليه من البنوك، والشروط المطلوبة لذلك، وعدم وجود حاجة ماسة له من قبل الجمهور.

العملات العربية في الوقت الحاضر: تراجع وانهيار

الوضع في عام 2024 يختلف بشكل كبير؛ إذ أصبحت أسعار الصرف للعملات العربية للدول غير المنتجة للنفط تواجه موجات عاتية من التراجع أمام العملات الأجنبية.

وهذا التراجع والانهيار للعملات العربية يعود إلى عوامل عدة وأسباب، منها:

– الفساد: من العوامل التي ساعدت على انهيار العملات العربية كذلك، ارتفاع معدلات الفساد، وخاصة في الدول التي تشهد حالة من عدم الاستقرار السياسي والأمني.

ووجد تقرير الشفافية الدولية لعام 2023، أن كل الدول التي انهارت أو تراجعت عملتها بالمنطقة العربية، ترتفع فيها معدلات الفساد، فالصومال تحتل ذيل قائمة الدول على مؤشر الشفافية في المرتبة 180، وسوريا في المرتبة 177، واليمن في المرتبة 176، وليبيا في المرتبة 170، والعراق في المرتبة 154، ومصر في المرتبة 108، علما أن المؤشر يضم 180 دولة.

– زيادة الطلب على النقد الأجنبي: مطلع التسعينيات من القرن الـ20، شهد العالم انطلاق العولمة الاقتصادية، ولبست الاقتصاديات العربية ثوب اقتصاديات السوق، وعدلت من سياساتها النقدية والمالية والإنتاجية، ودخلت غالبية الدول العربية غير النفطية في برامج إصلاح مع صندوق النقد الدولي، ألزمتها بتحرير سعر صرف عملاتها المحلية، وهو ما وضع العملات العربية أمام معادلة جديدة.

– الراغبين في السياحة الخارجية، الأمر  الذي ولد طلباً جديداً على النقد الأجنبي لم يكن موجودا من قبل، ولم تتم عملية إدارة اقتصادية محكمة من قبل الحكومات العربية للدخول في صراع العولمة الاقتصادية، بل تم التعامل مع خروج الدولة من النشاط الاقتصادي، على أنه إخلاء مسؤوليتها عن الأداء الاقتصادي، وهذا غير صحيح، فالدولة وإن أسندت الجانب الإنتاجي والخدمي للقطاع الخاص، تظل مسؤولة عن التخطيط الكلي، بحيث تنضبط مؤشرات الاقتصاد الكلي، وتتوازن التأثيرات المتبادلة، حتى لا يتحمل قطاع أعباء أكثر من القطاع الآخر، أو يؤثر مؤشر ما سلبيا على أداء باقي المؤشرات الأخرى.

– غياب الاستقرار السياسي: وبالإضافة إلى ذلك، فقد شهدت بعض البلدان العربية أحداثا سياسية وأمنية، أضرت بوضعها الاقتصادي بشكل كبير، مثل الصومال؛ حيث انهارت مؤسسات الدولة في مطلع الثمانينيات، كما تعرضت السودان لأحداث سياسية متتابعة، كان أكثرها ضررا على الواقع الاقتصادي انفصال جنوب السودان في عام 2011، ثم أحداث نيسان/ أبريل 2019 التي أطاحت بنظام البشير والحال نفسه في العراق الذي تعرض للاحتلال الأميركي في عام 2003.

في حين تعرضت عدة دول عربية بعد الربيع العربي لنزاعات مسلحة في كل من ليبيا وسوريا واليمن، كما تعرض لبنان لأزمة اقتصادية في نهاية 2019، وتعمقت في عام 2020 وما بعدها، وعاشت مصر وتونس أحداثا اقتصادية سلبية أيضا بعد نهاية حقبة الربيع العربي.

– تراجع الاحتياطات الأجنبية: وفي ظل التقلبات السابقة بالدول العربية التي انهارت أو تراجعت قيمة عملاتها، تأثرت مؤشراتها الاقتصادية الأخرى مثل احتياطي النقد الأجنبي، وترصد أرقام البنك الدولي ما يلي: في اليمن تراجع احتياطي النقد الأجنبي من 8.1 مليارات دولار في 2008 إلى 1.2 مليار دولار في 2022، وفي تونس تراجع الاحتياطي من 11.2 مليار دولار في 2009 إلى 8 مليارات دولار في 2022، وفي ليبيا تراجع الاحتياطي من 124 مليار دولار في 2012 إلى 86 مليار دولار في 2022.

وفيما يتعلق باحتياطيات النقد الأجنبي في بعض الدول العربية، نجد أنها عانت من انهيار حقيقي، لكن ما ساعد على احتفاظها ببعض الأرصدة التي يمكن اعتبارها مقبولة، قيام الدول النفطية العربية بإيداع مبالغ في البنوك المركزية لهذه الدول، لمساندة احتياطياتها. وتعد مصر وتونس مثالا واضحا لهذا الأمر.

تأثير انهيار العملات العربية على المواطن

في ظل انهيار العملات العربية في الدول غير النفطية، تحمّل المواطن أعباء عدة، من أبرزها:

– انهيار قيمة المدخرات لمن يحتفظون بمدخراتهم بالعملات المحلية، فلك أن تتخيل الوضع في السودان بعد أن كان الدولار يعادل ما بين 40 و50 جنيهاً قفز إلى ما يزيد على 500 جنيه، وفي مصر مثلاً كان الدولار مطلع الألفية الثالثة بحدود 3.30 جنيهات، فأصبح في 2024 عند 30 جنيهاً للسعر الرسمي، وكذلك تكرر الوضع في باقي الدول التي شهدت تراجعا أو انهيار عملاتها المحلية.

– ارتفاع معدلات التضخم، وهو ما يؤدي إلى انخفاض القدرة الشرائية للمواطنين بشكل كبير.

– ظاهرة الدولرة، حيث اتجه أصحاب المدخرات والتجار إلى ربط مدخراتهم، أو الأنشطة التجارية بالدولار بيعا وشراء، وهو ما جعل الجميع يزهد في العملات المحلية، وانتقل المرض الخاص بالدولرة إلى إيجاد مضاربين جدد في العملات الأجنبية، وهو ما حمل النشاط الاقتصادي أعباء التخلي عن الإنتاج، أو خلق الوظائف الجديدة، واستقرار القائم منها، واتساع رقعة الأعمال الريعية.

آفاق مستقبل العملات المنهارة

قيمة العملة في أي اقتصاد تأتي لتعكس الحالة الاقتصادية بشكل صحيح، ما لم تكن هناك حالة استثنائية، فعلى الرغم من تراجع عملات ليبيا والعراق كدولتين نفطيتين، إلا أنهما يصنفان على أنهما دول نامية، حتى قبل أن تقع الأزمات السياسية أو أمنية.

فالنفط وإن مكّن للدول المنتجة له وضعا أفضل لسعر صرف العملات، إلا أنه لم يغير من الواقع التنموي شيئا.

ولا ينتظر أن يتحسن واقع سعر صرف العملات العربية المنهارة في الأجلين القصير والمتوسط، بسبب استمرار حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني.

فأداء المؤشرات الاقتصادية الكلية ضعيف، من حيث هشاشة الناتج المحلي، وستمرار العجز بميزان المدفوعات، وعجز الموازنة، وانهيار الاحتياطيات من النقد الأجنبي، وهو ما يضعف الأمل في تحسن سعر الصرف العملات العربية المنهارة أو المتراجعة.

وحتى في العراق وليبيا اللتين لهما نصيب جيد من تدفق النقد الأجنبي بسبب الصادرات النفطية؛ تقف ارتفاع معدلات الفساد عائقا أمام التنمية الاقتصادية وأمام تحسن أسعار الصرف.

وفي مصر وتونس لا ينتظر أن يتحسن سعر صرف عملتهما خلال المرحلة القادمة، في ظل وجود اتفاقيات مع صندوق النقد الدولي، فالإجراءات المطلوب تطبيقها لا يمكن أن تساعد على تحسين سعر الصرف، بل المطلوب منهما تخفيض قيمة العملة الوطنية بهما.

وأما دول النزاع (سوريا، اليمن، ليبيا، العراق، الصومال، السودان) فبعضها تغيب فيها سلطة الدولة، وبالتالي غياب سيطرة السلطات النقدية على إدارة سعر الصرف، أو إعمال آلية السوق المفتوحة لغياب أرصدة الاحتياطي اللازمة، أو التحكم في التدفقات الواردة، وخاصة من العاملين بالخارج، حيث تتم بشكل شبه كامل من خارج أُطر الجهاز المصرفي، وبالتالي لا يتوقع تحسين سعر الصرف بهذه الدول.

Exit mobile version