تبدو حليفة “إسرائيل“، مهتمة بشكل خاص بإيصال المساعدات الإنسانية لمليونين و200 ألف شخص يسكنون قطاع غزة، وذلك بعد أكثر من خمسة أشهر من الحرب التي اندلعت في القطاع واستشهد فيها نحو 31 ألف فلسطيني وجرح ما يزيد على 70 ألفا آخرين، وبعد أن بدأت تخرج للعلن لقطات لوفاة عدد من الأطفال جوعا.
ومنذ الإعلان عنه قبل أيام، والرصيف البحري الذي تعتزم الولايات المتحدة إنشاءه في نقطة ما على ساحل قطاع غزة، يثير الفضول بقدر ما يفجر التساؤلات حول موقعه المحتمل، فضلا عن طريقة تشغيله وإدارته، ناهيك عن الجهات التي ستتولى الاستلام والتوزيع داخل القطاع المنكوب.
هدف بايدن من هذه الخطوة
مع تضاؤل الآمال في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين “إسرائيل” وحركة المقاومة الإسلامية “حماس” وإطلاق سراح الأسرى قبل بداية شهر رمضان المبارك، أمر الرئيس الأميركي جو بايدن جيشه ببناء رصيف عائم وجسر مؤقتين على ساحل غزة على البحر المتوسط لفتح طريق جديد لتقديم المساعدات الإنسانية.
وأثار قرار بايدن الذي جاء في خطابه المهم عن حالة الاتحاد، الخميس الماضي، أسئلة واندهاشا، إذ لا يزال بايدن ملتزما بتوفير كل ما تحتاجه “إسرائيل” من أسلحة وذخائر بما يمكنها من الاستمرار في عدوانها، إضافة إلى رفضه الدعوة إلى وقف كامل لإطلاق النار.
وخلال الأسابيع الأخيرة، لجأت إدارة بايدن إلى توفير قدر ضئيل من المساعدات الغذائية عبر إسقاطها جوا بعد رفض “إسرائيل” إدخالها عن طريق 6 معابر برية تربط قطاع غزة بالعالم الخارجي، منها معبر رفح مع مصر، والبقية مع “إسرائيل”.
واعتبر معلقون أن ما يقوم به بايدن ما هي إلا محاولة جديدة للمراوغة في سعيه لإيجاد توازن في حرب غير متوازنة في الشرق الأوسط، بحسب ما نقلت “الجزيرة”.
وأشاروا إلى ما يكرره بايدن أنه “أول رئيس صهيوني للولايات المتحدة” بدعمه الكامل وغير المشروط لإسرائيل، إلى جانب أنها حسابات سياسية انتخابية داخلية يخشى معها بايدن أن تُكلفه فرصة البقاء في البيت الأبيض 4 سنوات جديدة.
كما تشير شواهد عديدة إلى أن بايدن أصبح محبطا بشكل متزايد من تحدي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لمناشداته لبذل المزيد من الجهد لحماية المدنيين في غزة، لكنه لا يزال يعارض وقف إمداد “إسرائيل” بالذخائر أو استغلال اعتمادها الكامل على الولايات المتحدة للتأثير على مسار القتال.
من جهته، النائب الديمقراطي من كاليفورنيا رو خانا، فقال في مقابلة في اليوم التالي لإلقاء بايدن خطابه إنه “لا يمكن أن يكون لديك سياسة تقديم المساعدات وإعطاء إسرائيل الأسلحة لقصف شاحنات الطعام في الوقت نفسه”.
وأضاف “هناك تناقض متأصل في ذلك، وأعتقد أن الإدارة بحاجة إلى التوفيق بين التعاطف الحقيقي والاهتمام الأخلاقي الذي ظهر الليلة الماضية على حياة المدنيين الفلسطينيين مع المساءلة الحقيقية لنتنياهو والحكومة اليمينية المتطرفة هناك”.
واستبعد المعلقون أن تقدم واشنطن على طرح خطوة بناء رصيف مائي مؤقت دون التنسيق المسبق مع “إسرائيل”.
وكان مصدر سياسي فلسطيني، أثار شكوكا حول النوايا الإسرائيلية والأميركية من وراء الإعلان عن مثل هذا المشروع في مثل هذا التوقيت.
وأضاف “لعلهم يرغبون في إعادة إغلاق معبر رفح لتكون تلك المساعدات التي تدخل عن طريق الرصيف البحري المؤقت هي كل ما يمكن لأهل غزة الحصول عليه”.
وقال: “أعتقد أنها مجرد تمهيد للمرحلة الثالثة والكبرى من العملية العسكرية الإسرائيلية.. دخول رفح”، بحسب ما نقلته “العربية”.
ميناء عائم
كان “البنتاغون” أعلن قبل يومين أن تشييد الميناء العائم لتوصيل المساعدات إلى القطاع قد يستغرق شهرا واحدا على الأقل أو اثنين حتى يدخل حيز التشغيل الكامل، وإن الميناء سيحتاج على الأرجح ألف جندي لإنشائه.
لكن حتى الآن، لم يصرّح أحد بالموقع المحتمل لإنشاء الميناء الذي حلمت به غزة لعقود والذي ستحصل الآن على رصيف منه، بينما يأمل أهلها ألا يكون ذلك بعد فوات الأوان.
وفي السياق، أوضح العميد السابق بالمخابرات الأردنية عمر الرداد أن هذا المشروع لإنشاء خط بحري من قبرص إلى غزة كان واحدا من خيارات طرحت قبل بضع سنوات من دون أن يوضع موضع التنفيذ.
كما أضاف أن الولايات المتحدة التي أعلن مسؤولوها أن الأمر قد يستغرق نحو شهرين لإيصال أول شحنة مساعدات لمن تحاصرهم “إسرائيل” في القطاع الساحلي، منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر لن يكون لقواتها وجود على الأرض، حسب ما نقلت وكالة “أنباء العالم العربي”.
وقال “لن يكون هناك تواجد للقوات الأميركية على الأرض، لكنها ستكون قريبة منه في البحر لتأمين الحماية له”.
موقع الميناء
في السياق، رجّح مصدر سياسي فلسطيني أن يكون نهاية شارع صلاح الدين “نتساريم” في وسط قطاع غزة الموقع الذي يعتقد أن الأميركيين سيشيدون فيه رصيفهم الموعود.
وقال الرجل الذي طلب عدم ذكر اسمه إن هذه المنطقة توفر أكثر من عامل للإسرائيليين “الذين ولا شك سيتحكمون في العملية من أولها لآخرها”.
كما أضاف أن هذه النقطة تقع بين دوارين رئيسيين لتوفر ما يشبه بمنطقة محكومة يسهل السيطرة عليها”.
وأردف موضحا أن تلك المنطقة لا تبعد كثيرا عن دوار النابلسي الذي استشهد فيه أكثر من 100 فلسطيني تجمعوا للحصول على ما تيسر من شاحنة مساعدات قبل أن يتعرضوا لإطلاق إسرائيلي.
كذلك أشار إلى أن “هذه البقعة ترتفع بنحو 20 مترا عن سطح البحر وتقع بين الدوارين اللذين يسيطر عليهما الجيش الإسرائيلي تماما، وتسهل بالتالي هذه التضاريس الأمنة له عملية التوزيع بما أنها تقع في منتصف القطاع تماما”.
إلى ذلك، لفت إلى أنه في حال العزوف عن هذا الخيار، فإن شاطئ الزهراء سيكون الخيار الآخر الذي يمكنهم اللجوء إليه، وإن كان لا يبعد سوى كيلومتر واحد عن نهاية شارع صلاح الدين.
من سينشئ الميناء؟
أكد مخطط بحري عسكري أردني، لم يكشف عن هويته، أن الجهة المكلفة بإنشاء الرصيف هي القاعدة الأميركية في ساردينيا بإيطاليا. وقال “أميركا قادرة على عمل إنزالات بدون أي ميناء.. يعني تصل السفينة وترسو على الشاطئ مباشرة ثم تفتح بطنها لتنزل منها شاحنات تفرغها وتنطلق مغادرة”.
كما أضاف “عندهم مركبات اسمها (إل.سي.يو).. ترسو ثم تمشي على البر.. كل واحدة تستوعب حمولة شاحنتين أو ثلاث.. بمقدورها التنقل ذهابا وعودة وحمل أي كميات يريدونها”.
إلى ذلك، رجّح أن يوكل الجيش الأميركي مهمة إنشاء هذا الهيكل البحري، إلى وحدات له تتمركز في جزيرة ساردينيا الإيطالية.
وأضاف أن “الجيش الأميركي يملك وحدة هندسة كاملة اسمها وحدة نحل البحار.. مهمتها إنشاء مثل هذه الأرصفة.. رغم أننا لم نسمع عن هذا الأمر منذ الحرب العالمية الثانية”.
في المقابل، رأى مسؤول بحري عراقي كبير إنشاء هذ الميناء المحدود بالشكل الذي يطرحه الأميركيون “عملية صعبة جدا لأنها تحتاج إلى أشياء كثيرة، إن لم تكن مستحيلة”.
وقال أسعد الراشد، مدير مشروع ميناء الفاو الكبير في البصرة، لوكالة “أنباء العالم العربي” إن هذه عملية تحتاج للتعامل مع البحر والبر، إضافة لضرورة توفير أعماق لرسو الباخرة.
كما أضاف “هذه الوظيفة تتطلب أن يكون هناك عمق بحري كافٍ لترسو السفينة.. وتتطلب وجود واجهة بحرية متينة تتحمل رسو الباخرة وتتحمل في نفس الوقت الأحمال التي ستفرغ على الرصيف ولا تدفع الساحل أو التربة باتجاه البحر.
وأردف قائلا :” هذه العملية تحتاج إلى حماية.. يعني عادة تعتمد على نوع التربة في المنطقة بإضافة طبقات معينة في التربة لمنع تسرب الرمل إلى البحر وفي نفس الوقت تحمي الساحل وتوفر مرسى للباخرة”.
كما شدد على أن “كل هذه الأشياء من الصعب أن تنجز خلال 60 يوما”.
من سيديره؟
عن الطرف الذي يعتقد أنه سيتولى مهمة استلام المساعدات في غزة وتوزيعها على الجياع فيها، فلا توجد معلومات كافية حول تلك المسألة.
إلا أن العميد السابق في المخابرات الأردنية، عمر الرداد، لفت إلى أن جهات فلسطينية، سياسية وغير سياسية، قد تلعب دورا في هذه المرحلة.
وأضاف “مؤكد أنه لن يكون لحماس أي دور.. بدأت تسريبات حول تنسيق مع عائلات في القطاع وترتيبات يشرف عليها بعض السياسيين الفلسطينيين”.
من جانبه، وخلال جولة على ساحل قطاع غزة، ادعى وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت إن خطط تقديم المساعدة لقطاع غزة عبر ميناء مؤقت أقامته الولايات المتحدة “ستساعد في انهيار حكم حماس”.
وأضاف غالانت اليوم الأحد إن “العملية مصممة لتقديم المساعدات مباشرة إلى السكان وبالتالي مواصلة انهيار حكم حماس في غزة”، بحسب ما نقل موقع “تايمز أوف إسرائيل”.
كما أشار إلى أن “إسرائيل”: “ستقوم بإيصال المساعدات عبر طريق بحري تنسق معه الولايات المتحدة في الجانب الأمني والإنساني”.
وتابع أنه سيتم جلب البضائع المستوردة من قبل المنظمات الدولية مع المساعدات الأميركية.
وادعى أن “إسرائيل”: ” ستضمن وصول الإمدادات إلى هنا لأولئك الذين يحتاجون إليها، وليس لأولئك الذين لا يحتاجون إليها”، بحسب تعبيره.
هل يستطيع الجياع الانتظار 60 يوما؟
إلى ذلك، غرّد مدير برنامج فلسطين بمعهد الشرق الأوسط في واشنطن خالد الجندي قائلا إنه “في غضون 60 يوما، سيموت آلاف آخرون بسبب الجوع والمرض”.
وتابع: “سيكون الرد الأكثر منطقية وفعالية هو مطالبة إسرائيل، التي تعتمد كليا على الأسلحة والدعم الأميركي، بالتوقف عن منع دخول المساعدات وفتح المعابر البرية الستة إلى غزة على الفور”.
ومن جهة أشارت خبيرة الشؤون الدولية آسال راد إلى أن إدخال أي مساعدات إلى غزة مرحب به، بسبب الوضع الإنساني الكارثي الذي يتضور فيه الأطفال جوعا حتى الموت.
ومن جهة ثانية، أوضحت أن إدارة بايدن فشلت في الاعتراف بمسؤولية “إسرائيل” عن الأزمة الحالية وحقيقة أنها تستخدم التجويع كسلاح حرب مثلما لاحظت منظمة “هيومن رايتس ووتش” وخبراء آخرون.
وقالت إنه من الغريب أيضا أن تلجأ الولايات المتحدة إلى مثل هذه الطرق الخطيرة لتقديم المساعدات، والتي عادة ما يتم حجزها كملاذ أخير عند التعامل مع الدول المعادية، وليس مع دول حليفة مثل “إسرائيل”، وإنه انعكاس آخر لقدرتها على الإفلات من العقاب، وعدم اتخاذ إدارة بايدن أي خطوات لمحاسبتها على أفعالها، وفقا لما نقلته “الجزيرة”.
من قبرص
يذكر أن الجهات المانحة اعتمدت قبرص لتكون مركزا لوجيستيا لتجميع المساعدات وفرزها قبل إرسالها نحو القطاع الفلسطيني المحاصر.
وحتى الآن، تدخل غزة بضع عشرات من شاحنات مساعدات عبر معبر رفح الحدودي مع مصر، إلا أنها لا تمر إلى داخل قطاع غزة قبل تفتيشها بشكل حثيث في معبر كرم أبي سالم على الحدود المصرية الإسرائيلية مع قطاع غزة.
فيما دفعت قلة عدد الشاحنات والتحذيرات الأممية من مجاعة حقيقية توشك أن تحل بآلاف الفلسطينيين دولا عربية وأخرى غير عربية إلى إسقاط المساعدات من الجو خاصة إلى شمال غزة الذي تمنع عنه “إسرائيل” المساعدات.