أرسل جبران خليل جبران في عام 1912 رواية «الأجنحة المتكسّرة» التي كان قد نشرها في نيويورك إلى الأديبة اللبنانية ميّ زيادة التي تعيش في مصر فكتبت له بأنها لا توافقه على آرائه وخاصة في الزواج ومنذ تلك اللحظة بدأت بينهما مراسلة استمرت 19 عاما لم يلتقيا فيها أبدا، ورسمت ملامح قصة عاطفية خلدها التاريخ العربي المعاصر.
سميت ميّ زيادة، معشوقة الأدباء لثقافتها العالية, فقد كانت تتحدث 6 لغات، إلا أن هذا كله لم يسعفها من مكيدة دنيئة من أقاربها أدخلتها مستشفى للأمراض العقلية.
ولدت ماري زيادة (التي عرفت باسم ميّ) في مدينة الناصرة بفلسطين عام 1886، ابنةً وحيدةً لأب من لبنان وأم سورية الأصل فلسطينية المولد، تلقت الطفلة دراستها الابتدائية في الناصرة، والثانوية في عينطورة بلبنان، وفي العام 1907 انتقلت ميّ مع أسرتها للإقامة في القاهرة.
عملت في القاهرة بتدريس اللغتين الفرنسية والإنكليزية، وتابعت دراستها للألمانية والإسبانية والإيطالية، وفي الوقت ذاته، عكفت على إتقان اللغة العربية وتجويد التعبير بها، وفيما بعد، تابعت ميّ دراسات في الأدب العربي والتاريخ الإسلامي والفلسفة في جامعة القاهرة.
خالطت ميّ الكتاب والصحفيين، وأخذ نجمها يتألق كاتبة مقال اجتماعي وأدبي ونقدي، وباحثة وخطيبة، وأسست ميّ ندوة أسبوعية عرفت باسم (ندوة الثلاثاء)، جمعت فيها – لعشرين عامًا – صفوة من كتاب العصر وشعرائه، كان من أبرزهم: أحمد لطفي السيد، مصطفى عبدالرازق، عباس العقاد، طه حسين، شبلي شميل، يعقوب صروف، أنطون الجميل، مصطفى صادق الرافعي، خليل مطران، إسماعيل صبري، و أحمد شوقي، وقد أحبّ أغلب هؤلاء الأعلام ميّ حبًّا روحيًّا ألهم بعضهم روائع من كتاباته، أما قلب ميّ زيادة، فقد ظل مأخوذًا طوال حياتها بجبران خليل جبران وحده، رغم أنهما لم يلتقيا ولو لمرة واحدة، ودامت المراسلات بينهما لعشرين عامًا من 1911 وحتى وفاة جبران بنيويورك عام 1931.
أرسلت ميّ صورتها لجبران في سنة 1921، فرسمها بالفحم وأرسلها لها وتحولت تلك العـلاقة من الإعـجاب الأدبي إلى صداقة روحية ثم إلى حب.
مي زيادة في حياة جبران الصديقة والحبيبة الملهمة، واصلة الوصل بينه وبين وطنه، وأكثر ما حبه فيها عقلها المنير الذي تجلى في مقالاتها وكتبها، وأحب فيها حبها له وإعجابها بشخصيته وإنتاجه الأدبي والفني الذي كانت تتناوله بالنقد في مقالاتها في مصر.
لم تعرف بما ابتليت وكيف أضحت بلمح البصر في مستشفى للامراض العقلية بعدما كانت تلقي المحاضرات في الجامعة الأمريكية ببيروت والقاهرة، وتستقبل الادباء في صالونها، حيث دخلت في حالة اكتئاب بعد وفاة جبران ووفاة الديها وتآمر عليها ذويها للاستيلاء على أملاكها، وأدخلوها المستشفى.
احتجت الصحف اللبنانية و بعض الشرفاء من الكتاب و الصحفيين بعنف على السلوك السيء من قبل ذويها تجاه مي فنقلت إلى مستشفى خاص في بيروت ثم خرجت إلى بيت مستأجر حتى عادت لها عافيتها، وأقامت عند الأديب أمين الريحاني عدة أشهر ثم عادت إلى مصر وتوفيت في مستشفى المعادي بالقاهرة بتاريخ 17 تشرين الاول عام 1941 عن عمر 55 عاماً.
لقبها مصطفى عبد الرزاق بأميرة النهضة الشرقية، وشكيب أرسلان بنادرة الدهر، وفارس الخوري بأميرة البيان، والأب أنسطاس الكرملي بحيلة الزمان.
تقول مي: أنا امرأة قضيت حياتي بين قلمي وأدواتي وكتبي، ودراساتي وقد انصرفت بكل تفكيري إلى المثل الأعلى، وهذه الحياة “الأيدياليزم” أي المثالية التي حييتها جعلتني أجهل ما في هذا البشر من دسائس.