قال مايكل ويبر رئيس شركة إنجي الفرنسية إن الهيدروجين الطبيعي أو الأبيض سيحدث أكبر انقلاب في نظام الطاقة العالمي.
ويستند في ذلك إلى اقتراب ثبوت تأكيدات الخبراء بوجود مخزونات ضخمة في القشرة الأرضية، وبأن هذه المخزونات قابلة للتجدد.
ومعروف ان الهيدروجين هو المصدر الوحيد القادر، حتى الآن، على أن يشكل بديلاً للنفط لتوفير الوقود للقطاعات كثيفة الاستخدام للطاقة مثل محطات توليد الكهرباء والصناعات الثقيلة كالصلب والإسمنت، والنقل الجوي والبحري.
إضافة إلى تشغيل المعدات الثقيلة المدنية والعسكرية والتي لا يمكن، حتى الآن، تشغيلها بالكهرباء. ويقال ان الهيدروجين سيكون نفط القرن الحالي.
مالي.. تجربة فريدة
الهيدروجين الطبيعي ليس اكتشافاً جديداً، فهو معروف منذ عشرات السنين، وموثق في عشرات الدراسات الجيولوجية لمراكز أبحاث وجامعات، وطبعاً في قواعد بيانات شركات النفط العالمية و”حكوماتها”.
فقد تم مثلاً في العام 1910 توثيق تدفق متواصل للهيدروجين لمدة خمس سنوات في منجم ملح ليوبولدشال في ألمانيا.
وفي العام 1930 تم اكتشاف بئر في جزيرة يورك الأوسترالية، يحتوى على غاز الهيدروجين بنسبة نقاء 80 في المئة، لكن تم إغلاقه لأن المطلوب كان حينذاك النفط والغاز الطبيعي.
ولتبقى تجربة قرية بوراكيبوغو في مالي، الأكثر دلالة، حيث اكتشفت شركة هايدروما الكندية خلال عملها في مشروع لحفر أبار للمياه في العام 2012، تدفق الهيدروجين بكميات كبيرة وبنسبة نقاء بلغت 98 في المئة.
وتبيّن ان ضغط المكمن ثابت، ما دفع الشركة لبناء محطة صغيرة لتوليد الكهرباء لتكون أول محطة كهربائية تعمل بالهيدروجين الطبيعي في العالم، وهي لا تزال تعمل حتى اليوم.
مشروع نبراسكا..
ودخلت أميركا بقوة ميدان تطوير الهيدروجين الأبيض في العام 2019، حين قامت شركةNatural Hydrogen Energy ، بالإبلاغ رسميا عن اكتشاف كميات كبيرة في أول بئر تحفره في نبراسكا.
وهناك حالياً عشرات المكامن الموثقة في 15 دولة من بينها أميركا وفرنسا ومالي.
إضافة إلى توثيق وجود الهيدروجين الأبيض في مناجم النحاس في أونتاريو، كندا، ومناجم الذهب والبلاتين في جنوب إفريقيا، وفي المحاليل الملحية في أيسلندا.
بالإضافة إلى حوض ساو فرانسيسكو بالبرازيل حيث يتسرب الهيدروجين الطبيعي بأحجام تتجاوز بمئات الكيلوغرامات يومياً.
وقد وضعت شركة الطاقة الفرنسية إنجي أجهزة استشعار لمراقبة تدفق الهيدروجين في هذا الحوض وفي مناطق أخرى في العالم.
والأهم من ذلك كله، ثبوت وجود الهيدورجين الأبيض في العديد من آبار النفط التي يحتوي بعضها على تركيز مرتفع للهيدروجين في الغازات المصاحبة.
تكاليف رخيصة..
أما تكاليف إنتاج الهيدروجين الطبيعي فتتراوح بين 0.5 ـ 1 واحد دولار لكل كيلوغرام مقابل 3.5 و 7.5 دولار للهيدروجين الأخضر، كما يقول رئيس شركة ناتشيرال هايدروجين الأميركية فياتشيسلاف زغونيك.
هل حان وقت الاستغلال التجاري ؟
يبدو أن الانطلاقة بدأت فعلاً، ويشكل إصدار وزارة الطاقة الأميركية “استراتيجية وخارطة طريق الهيدروجين النظيف” أواخر أيلول/سبتمبر الماضي، دفعة قوية لهذه الانطلاقة.
ولكن هناك بعض المسائل التي تحتاج إلى توضيح وتنظيم. مثال ذلك تحديد ماهية الهيدروجين الأبيض. إذ ينقسم مجتمع الهيدروجين بين فريقين:
الأول يرى أنه مصدر متجدد يمكن استغلاله وإنتاجه إلى ما لانهاية.
بينما يرى الفريق الآخر أنه مصدر ناضب يتراكم في طبقات تحت السطح كما النفط والغاز.
ويقود ذلك إلى المسألة الثانية الأكثر أهمية، وهي توفير الإطار التشريعي والتنظيمي لاستغلال الهيدروجين.
فهل يتم تصنيفه كوقود أحفوري ويخضع بالتالي لقوانين الهيدروكربون كما في بريطانيا حيث يخضع انتاجه لقانون الغاز لعام 1986.
أو يخضع لقوانين التعدين كما في الاتحاد الأوروبي.
وهناك اتجاه قوي لاعتباره مصدراً طبيعياً متجدداً لا تنطبق عليه قوانين التعدين ولا قوانين الهيدروكربون.
ما يستدعي تطوير إطار تشريعي وتنظيمي مستقل. وهو ما تعمل عليه حاليا غالبية الدول الصناعية.
وتعتبر أوستراليا في مقدمة الدول التي قطعت شوطاً طويلاُ في هذا المجال.
وقامت بالفعل ولاية جنوب أوستراليا بمنح تراخيص للاستكشاف تغطي ثلث مساحة الولاية تقريباً.
ويقول رئيس شركة أنجي “لم يعد السؤال هل يشكل الهيدروجين الطبيعي مصدراً للوقود، بل أصبح من أين نحصل على تصاريح الاستكشاف ومن سيكون المنتج الأكبر”.