تنفرد تونس بأحد أغرب ابتكارات الري في العالم، حيث يعمد أهالي منطقة “غار الملح” إلى ري مزروعاتهم من مياه البحر مباشرةً عبر تقنية اخترعها الأندلسيون المهاجرون قبل نحو 400 عام .
وأدرجت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة نظام الزراعة التقليدية “الرملي” على شواطئ منطقة غار الملح الساحلية بتونس، على قائمة نظم التراث الزراعي ذات الأهمية العالمية لكونها لا تعتمد على استنزاف الموارد المائية.
ويعود هذا الابتكار إلى الأندلسيين الذين هاجروا إلى منطقة شمال إفريقيا في القرن السابع عشر، واستقرّ بعضهم في منطقة غار الملح بتونس، وللتكيّف مع ظاهرة شح المياه ومحدودية الأراضي الزراعية في المنطقة، قاموا بنقل رمال من الشاطئ ووضعوها داخل بحيرات طبيعية قريبة من البحر، لتشكّل قطعا زراعية متناثرة استغلوها لزراعة الخضروات بكل أنواعها.
وتعتمد هذه الزراعة المبتكرة على ما يعرف “بنظام ري سلبي”، إذ تتغذى جذور النباتات من مياه الأمطار المخزنة داخل الرمال، فبفعل حركة المد، تدخل مياه البحر المالحة الى البحيرة المتصلة بالبحر، وتدفع المياه العذبة المخزنة من مياه الأمطار الى الارتفاع والوصول الى جذور النباتات فتغذيها.
ومع حركة الجزر، تتوقف حركة الري الطبيعي حتى لا تحصل النباتات على أكثر من حاجتها.
كما أن الترسبات الموجودة في البحيرة تعيق حركة دخول مياه البحر وخروجها. وتقول الخبيرة “صحيح أن النظام الرملي لا يمكننا من الحفاظ على كميات كبيرة من المياه لكونه صغير المساحة، ولكن يجب أن نحافظ عليه لأن البلاد في حاجة الى كل قطرة ماء”.
ونقلت “يورونيوز” عن الخبيرة في الموارد المائية والتغييرات المناخية روضة قفراج، قولها: إنه جرّاء التغيرات المناخية، مستوى مياه البحر في ارتفاع متواصل منذ سنوات، محذرة من تبعات ذلك إذ يمكن أن “تصبح طبقة المياه المالحة فوق طبقة المياه العذبة التي تغذي النبتة، ما يمكن أن يدخل نظام الريّ الطبيعي في اضطراب”.
وتبيّن تقديرات منظمة الأغذية والزراعة العالمية للعام 2017، أن نصيب كل تونسي من الموارد المائية العذبة المتجددة سنويا فى مستوى 403 أمتار مكعبة، وهذه “ندرة مطلقة للمياه” لا تسمح بإرساء تنمية مستدامة.
وتونس جزء من منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط التي تواجه فقرا كبيرا في المياه العذبة المتجددة، وفقا للمنظمة الأممية. وتوجه 80 في المئة من الموارد المائية المتجددة في تونس الى الزراعة، وهذا إشكال كبير تواجهه الدولة في عملية التصرف في مواردها، ما دفع وزارة الفلاحة الى تكوين المزارعين في مجال ترشيد استعمال المياه.
وتحاول بعض منظمات المجتمع المدني الناشطة في مجال ترشيد استهلاك المياه بالتعاون مع منظمات دولية، القيام بمبادرات للحد من ظاهرة شح المياه، ومن بينها مشروع “فسقيتنا” لإعادة تأهيل مسابح قديمة لحفظ مياه الأمطار فيها، وتوزيعها على السكان في جزيرة جربة (شرق) التي تواجه مشكلة الانقطاع المتكرر للمياه.