هاشتاغ-مازن بلال
تأتي انفراجات الأزمة السورية على خارطة لم تضح بعد، فرغم كسر قاعدة “العزلة” التي بدأت أولا عبر إعادة عضوية دمشق في الجامعة العربية، ثم البحث عن إنهاء الخلافات مع تركيا بعد اجتماعات موسكو وصور المصافحة بين وزيري الخارجية التركي والسوري، لكن السؤال المعلق وسط كل التطورات المتلاحقة عن العلاقات التي سترسم التوازن الإقليمي الذي سيوقف إمكانية العودة مجددا إلى التوتر على كافة الجبهات مع سورية.
في التصور الأولي فإن المسار الذي بدأ في عمان طرح مبادئ عامة، ومساحة من الاعتماد على جهود الأمم المتحدة السابقة، لكن تعقيدات الأزمة لا تتوقف فقط على عمليات التهدئة، سواء على مستوى العلاقات السورية – العربية، أو حتى ضمن الشكل الأوسع الذي يتضمن علاقة دمشق مع أنقرة، فهناك تأسيس مختلف يتطلب رؤية “حجم الأزمات” التي أدت لانهيار النظام الإقليمي انطلاقا من الحرب في سوريا، فالمقاربة الأساسية لم تظهر أو لم يعلن عنها في كل الجهود الدبلوماسية التي شهدناها خلال الأشهر القليلة الماضية.
عملياً فإن رؤية الأزمة السورية من زاوية “الصراع الداخلي” فقط كما حدث منذ بداية عام 2011 لا يمكنها تفكيك التداعيات الناجمة عن الحرب، فالتعقيدات التي ظهرت منذ الأيام الأولى للاضطراب توضح أن التنافس الإقليمي كان أساسيا في رفع حدة المواجهات، وفي جعل سوريا محطة لكسر التوازنات في شرقي المتوسط، حيث بدا “الربيع العربي” دائرة مغلقة أعادت إنتاج السلطة في مصر وتونس ولكنه في سوريا شكل قفزة مختلفة، فانهارت العلاقات الإقليمية بشكل درامي وخلف جبهات قتال في الشمال والجنوب السوريين.
ما يحدث اليوم لا يؤشر على نهاية التنافس الإقليمي بقدر كونه تغييرا لقواعد هذا “التنافس”، وذلك في ظل حالة دولية لا تقدم أي إمكانية لاستقرار عام، فالتهدئة الإقليمية تبدو غير مسبوقة في ظل الصراع القائم بين روسيا والولايات المتحدة، وغالبا ما تشتعل الأزمات الإقليمية في مراحل التحول الدولي كما يحدث اليوم، وتضعنا هذه المفارقة أمام مسألتين أساسيتين:
– الأولى هي أن الحاجة الإقليمية والدولية لإشعال الأزمات “مُستنفزة”، فالتواجدين الروسي والأمريكي على الأرض السورية لم يقدما توازنا مقبولا لفتح مسارات الحل السياسي، وعلى عكس ما حدث عام 2014 عندما أتاح التدخل الروسي تسارعا في لقاءات جنيف، فإننا اليوم نشهد حالة مختلفة حيث تلعب موسكو دورا خارج الأمم المتحدة عبر تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق، بينما يعوض التحرك العربي الفراغ السياسي الناجم عن القطيعة الأمريكية والأوروبية مع دمشق.
– المسألة الثانية مرتبطة بالأمن الإقليمي عموما وتوازناته المعلقة على أزمتين أساسيتين: الدور الإيراني و “إسرائيل”، ولا تظهر ضمن كافة التحركات الحالية أي معالجة للموضوعين، فهما على ما يبدو ارتبطا في عمق الدور السوري في المنطقة قبل الأزمة، وظهرا خلال الحرب عبر التوتر العربي مع إيران فقط، لكن تغير قواعد التنافس الإقليمي ليصبح في مساحة رسم الاستقرار في ظل الاضطراب الدولي، جعل من “الدور السوري” إقليميا موضوعا أساسيا.
كما كان للحرب السورية تداعيات هناك اليوم أيضاً “تداعيات” لحالة الانفراج، وهي بجوهرها تنافس على إعادة رسم دور دمشق إقليميا، وربما علينا الاعتياد على التفكير بأن الدور السوري ليس “ميزة سياسية” لأنه نقطة توازن خطرة خلقت الاضطراب في عام 2011، وهي اليوم تحتاج إلى تصورات استراتيحية تجعل من “تداعيات” الانفراج الحالية فرصة سورية وليس مجرد حالة سياسية عابرة.