هاشتاغ – سالي عجيب
تزامناً مع الأوضاع المعيشية السيئة التي شهدتها سنة 2021، والتي كانت نتيجة لمجموعة العقوبات الاقتصادية المفروضة على سورية، وأبرزها “قانون قيصر” و”تأرجح السوريين ما بين “قيصري” الداخل والخارج، إضافة إلى تدني الأجور، وارتفاع تكاليف المعيشة، ومتطلبات الحياة، كل هذه الأسباب مجتمعة جعلت من الهجرة الخيار الأول أمام السوريون للهرب من واقعهم.
وتعددت وجهات السوريين في عام 2021 سواء أكانت هجرة شرعية، أم غير شرعية حتى ولو كانت كل خطوة في هذا الطريق ملغومة بالموت والمصير المجهول،فمنهم من اختار الهجرة إلى البلدان العربية، والبعض الآخر قرر أن يشق طريقه إلى أوروبا بحثاً عن فرصة أفضل للحياة.
الموت على الحدود البيلاروسية البولندية
خاض العديد من السوريين تجربة الموت على الحدود البيلاروسية البولندية في رحلة وصفت برحلة الشقاء والألم، رحلة قد تآمرت فيها الطبيعة مع العنصر البشري للإطاحة باللاجئين العالقين على الحدود البيلاروسية البولندية، فإلى جانب الظروف المناخية السيئة التي زادت من وطأة السفر غير الشرعي وانخفاض الحرارة إلى ما دون الصفر، والنقص الحاد في الطعام والشراب، وانعدام المأوى، عانى اللاجئون من الاضطهاد والقمع الذي مارسه الجيش البولندي بشتى الوسائل، ما دفع العديد منهم إلى البحث عن سبل جديدة للنجاة علهم يصلون إلى البلد الذي يحلمون، لكن الحظ لم يحالفهم فكما لم يكتب لهم العيش في وطنهم كتب على العديد منهم الموت في بلد غريب لن يكون لهم فيه سوى شاهدة على قبر وقد لا تكون موجودة.
وشهدت تلك الحدود موت العديد من اللاجئين ” غرقاً، برداً، وجوعاً” كل ذلك في سبيل البحث عن الحياة، إلا أنه من المفارقة أن عذاب أشهر عدة بأيامها ولياليها قد تبدد وبصيص الأمل الخافت انطفأ ليمتطي العالقون رحلة “أجنحة الشام” للعودة إلى حضن الوطن تاركين أحلامهم وآمالهم عالقة على حدود غريبة.
أطباء سورية تحت قدر الحروب
بعد اثني عشر عاما من الدراسة والتدريب يحصل الطبيب السوري على راتب لا يتجاوز الـ 100 دولار في بلده وكان ذلك من أبرز الأسباب التي دفعت الأطباء إلى الهجرة بحثاً عن مكان قد ينصفهم ويمنحهم ما يستحقون.
وعلى الرغم من نُبل مهنة الطب إلا أنها في النهاية تبقى مهنة ومصدر رزق لأصحابها، وفي ظل غياب تسعيرات المعاينة المناسبة التي تنصف الطبيب والمريض، وتدني أجور الأطباء كانت الصومال الصدر الرحب والوجهة الأشهر لأطباء سورية في عام 2021، فعلى الرغم من أنها أيضاً بلد حرب ومجاعة إلا أن الفاصل هنا كان الأجر، إذ يتراوح دخل الطبيب في الصومال بين 1100 و2500 دولار وهو عشرات أضعاف ما يحصل عليه الطبيب في سورية، ما وضعه أمام خيارين إما البقاء في بلد يعاني من ويلات الحرب والغلاء وانعدام سبل العيش وإما الهجرة إلى بلد تعاني من ويلات الحرب لكنه قادر على تأمين رفاهية عيشه فيها فكان الخيار الثاني هو الأفضل بالنسبة للعديد من الأطباء.
ولم تقتصر هجرة الأطباء إلى الصومال فقط، حيث شهدت ألمانيا أيضاً هجرة العديد من الأطباء الذين أنعشوا القطاع الصحي الذي كان يعاني نقصاً كبيراً في الخبرات والكفاءات الطبية، إذ قدر عدد الأطباء السوريين هناك 4,970 طبيبا، في خطوة اعتبرها البعض ذات أثر كبير على الكادر الطبي في سورية.
إبداع الصناعة خارج حدود سورية
في بيئة وصفت بالطاردة للصناعيين شهد عام 2021 أيضا هجرة العديد من الصناعيين إلى دول عربية أو مجاورة ولا سيما مع انعدام أبسط مقومات الاستثمار مثل الكهرباء “المقوم الأقوى والأهم”، بالإضافة لشح المازوت وارتفاع تكلفته “إن وجد”، وتشديد قوانين التعامل بالعملة الأجنبية، كذلك ارتفاع أجور كلف النقل وشحن البضائع ونقص الخدمات.
وأضيف إلى مجمل الأسباب، انخفاض سقوف القروض وفرض ضمانات صعبة للحصول عليها، وختاماً صدور المرسوم رقم 237 الذي ينصّ على إحداث “مناطق تنظيمية” في مدخل دمشق الشمالي وتخوف الصناعيون من حدوث مشاكل في تقديرات الحصص السهمية “وهو ما زاد الطين بلة”، وجعل الهجرة حلاً ملائماً أمام العديد من الصناعيين علهم يجدون بيئة جديدة تتبنى مشاريعهم، وصناعاتهم، فوجدوا في مصر ضالتهم، حيث القوانين المشجعة على الاستثمار، وتوافر كل ما هو مفقود في سورية.
وبين صد ورد لم يكن هناك إحصائيات دقيقة للصناعيين المهاجريين فالحكومة السورية تنفي الأعداد الكبيرة التي تذكر وتقول إنه مبالغٌ بها بينما تؤكد تقارير إعلامية أن 47ألف صناعيّ قد هاجروا سورية في 2021 حيث غادر 19 ألف صناعي حلب، بينما غادر 28 ألف من دمشق.
وفي ضوء هذا الواقع الذي لا مكان فيه للتفاؤل القريب يبقى حال لسان المهاجرين السوريين يذكر بما قاله الشاعر والأديب محمد الماغوط: “الوطن حيث تتوافر مقومات الحياة لا مسببات الموت”.