هاشتاغ- عبد الرحيم أحمد
شكل الهجوم الإرهابي الواسع والضخم الذي نفذته الجماعات الإرهابية وعلى رأسها “هيئة تحرير الشام”(جبهة النصرة) وما يسمى “الجيش الوطني” الذي تتولى أنقرة الإشراف عليه، مفاجأة كبيرة لكل متابعي الشأن السوري، خصوصاً أنه تزامن مع إعلان وقف إطلاق النار في جنوب لبنان بين حزب الله وكيان الاحتلال الإسرائيلي وسط إيحاءات دولية بضرورة وقف التصعيد في المنطقة.
أسئلة كثيرة برزت على الساحة.. لماذا الآن؟ ما الجهات التي تقف وراء تحريك هذه المجاميع الإرهابية في وقت واحد وتنسيق هجومها؟ ما الرسائل والأهداف؟ ويمكن إضافة إليها الكثير من التساؤلات المنطقية والمشروعة عن سبب قدرة تلك التنظيمات على التقدم السريع وغيرها من الأسئلة التي يصعب الإجابة عنها أو التكهن بأجوبتها حالياً.
“هاشتاغ” طرح بعض هذه الأسئلة على الخبير العسكري اللواء حسن حسن بدءاً بالسؤال الأهم الذي يمكن أن يفسّر بشكل أولي مجمل القضية وهو لماذا الآن وما علاقة الهجوم باتفاق وقف إطلاق النار في جنوب لبنان؟
تعثر المشروع الصهيو- أمريكي
عن هذا الأمر يقول اللواء حسن إن “عربة المشروع الصهيو ــ أمريكي في المنطقة وصلت إلى حائط مسدود، والدولة العميقة المتحكمة بمفاصل صنع القرار الأمريكي وجدت نفسها في معضلة تزداد تفاقماً، فإمّا أن يتم إعلان نهاية دور الكيان الإسرائيلي الوظيفي، وإما أن يتخذ قراراً بتفجير الصراع في منطقة أخرى، فكان القرار بإعادة إشعال النار على الجغرافيا السورية التي لا يزال جمرها متقداً تحت الرماد”.
ويضيف أن ما يؤكد “العلاقة المباشرة بين اتفاق وقف إطلاق النار في جنوب لبنان وبين هذا التصعيد الإرهابي الخطر ضد الدولة السورية” ما أعلنه رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو في خطابه الموجّه لمستوطنيه عن أن وقف إطلاق النار يهدف إلى “التفرغ للخطر الأكبر والعدو الأخطر ممثلاً بإيران، والعمل لتقليص وجودها في سوريا، وقطع جميع طرق إمداد حزب الله عبر الجغرافيا السورية، وتهديده تهديداً مباشراً الدولة السورية عندما قال: “الرئيس السوري يلعب بالنار”.
نتنياهو أعطى كلمة السر
ويوضح الخبير العسكري أنه “بعد ساعات قليلة من حديث نتنياهو كان آلاف المسلحين ينطلقون من مناطق انتشارهم في إدلب وغرب حلب، وكل من تابع جموع المهاجمين يدرك من لباسهم الموحد، وكذلك العربات القتالية المستخدمة والأسلحة المتوسطة والثقيلة التي تم تزويدهم بها أن دولة محددة أو أكثر تقف وراء تدريبهم وتسليحهم والزج بهم وفق ترتيب قتالي كبير امتد على جبهة عرضها مئة كلم”.
وبحسب اللواء حسن فإن “كلام نتنياهو كان كلمة السر للاستخبارات التركية التي أصدرت أمر عمليات بدء الهجوم برضا أمريكي مسبق وجاهز، وتفسير ذلك لا يحتاج لتحليل عميق، فالأهداف الإسرائيلية التي تم الإعلان عنها وتبنيها رسمياً من نتنياهو وحكومته بقيت بعيدة المنال على جبهتي غزة وجنوب لبنان على الرغم من عشرات آلاف الشهداء وأضعافهم من الجرحى والمصابين الذين فتكت بهم الأسلحة النوعية ذات الطاقة التدميرية الهائلة التي بقيت تتدفق إلى تل أبيب على مدار الساعة”.
ويؤكد الخبير العسكري أن “روزنامة ميدان الاشتباك والعمليات القتالية(في جنوب لبنان وغزة) أثبتت أن تحقيق الأهداف المعلنة مستحيل، وهذا يعني انتهاء الدور الكيان الإسرائيلي الوظيفي، وأمريكا غير مؤهلة حالياً للتعامل مع خيار كهذا، فكان القرار بتصعيد إرهابي مسلح كبير وغير مسبوق على الجغرافيا السورية لإعادة خلط الأوراق من جديد، وإبقاء المنطقة على صفيح أكثر من ساخن حتى وإن كان من ضمن السيناريوهات المحتملة سيناريو إمكانية اشتعال المنطقة برمتها”.
أردوغان لايجرؤ من دون ضوء أخضر أمريكي
ورداً على سؤال عن الدول التي تقف وراء تحريك التنظيمات الإرهابية وقيادة عملياتها، يرى اللواء حسن أن “رأس الأفعى المدبر” لكل ويلات المنطقة هي “الاستخبارات البريطانية والدولة العميقة في الولايات المتحدة” التي تعطي الأوامر “للدول التابعة لها والتي لا تفكر بشق عصا الطاعة، بصرف النظر عن تصدير خطابات مرفوعة السقف من وقت إلى آخر، وهكذا تلقف أردوغان كلمة السر من خطاب نتنياهو، وأعطى توجيهاته لغرفة العمليات التركية التي أصدرت أمر العمليات رقم واحد إلى جميع التنظيمات الإرهابية المسلحة المنتشرة في مناطق النفوذ التركي، وقد سارعت جميعها للتنفيذ بزعامة هيئة “تحرير الشام” أي “جبهة النصرة” المصنفة على لائحة الإرهاب العالمي وفق قرارات المنظمة الدولية ومجلس الأمن”.
ويرى الخبير العسكري في رد على سؤال عن علاقة الهجوم الإرهابي برفض الرئيس بشار الأسد لقاء الرئيس التركي أردوغان، أن هذه المسألة تشكل “عاملاً مساعداً لكنها ليست السبب الرئيس، فمهما بلغ غضب أردوغان وحقده ورغبته بتنفيذ خطوة كهذه يبقى عاجزاً عن الفعل إلا بضوء أخضر أمريكي، وبما يخدم مصالح الكيان الإسرائيلي، فالثقل الجيوبوليتكي التركي أقل بكثير من تحمل مسؤولية تصعيد خطر كهذا يضع المنطقة بكليتها أمام خطر الاشتعال مع إمكانية خروج ألسنة اللهب عن السيطرة، وامتدادها إلى أعماق جغرافيا قد تتجاوز بارتداداتها السياسية والعسكرية والاقتصادية والدبلوماسية منطقة الشرق الأوسط، وقد تأخذ أبعاداً خطرة بأبعاد عالمية”.
الهجوم ينهي مسار أستانا
شكل الهجوم الإرهابي الكبير كسراً لقواعد خفض التصعيد التي وضعتها الدول الضامنة (روسيا – إيران – تركيا) في أستانا، وبحسب اللواء حسن فإن “تركيا هي الطرف الضامن لكل المجموعات المسلحة التكفيرية المنتشرة في إدلب وبقية المناطق في شمال سوريا وشمالها الغربي، والتصعيد كان بزعامة “هيئة تحرير الشام ـــ جبهة النصرة” وقد انطلقت جموع المهاجمين من مناطق إشراف الاستخبارات التركية، وهذا يضع تركيا أمام الضامنين الآخرين: روسيا وإيران في خانة الاتهام المثبت بالدليل والبرهان بالتنصل من مسؤولية التزام ما تعهدت به أنقرة، كما أن حجم الخرق الذي حدث وامتداده على مساحة جغرافية كبيرة، يمنح الدولة السورية حق التعامل مع التصعيد بكل السبل الممكنة دفاعاً عن سيادتها وأمنها الوطني”.
ويرى الخبير العسكري أنه بالتحليل “من الطبيعي أن يؤدي ذلك إلى انتهاء مفعول كل ما له علاقة بما أسفرت عنه اتفاقات وتفاهمات أستانا سابقاً”، لكنه أردف أنه “عندما يكون الأمر متعلقاً بدولة عظمى مثل روسيا، ودولتين إقليميتين كبيرتين مثل إيران وتركيا، فالمقاربات التي يتم اللجوء إليها تكون مختلفة بعض الشيء عن معطيات التحليل النمطي، أي أن الجانب السياسي يبقى حاضراً، وإمكانية البحث والعمل للتوصل إلى تفاهم سياسي لا يصادر حق الدولة السورية في الدفاع عن أمنها وسيادتها، بل يبقى أحد السيناريوهات التي لا يجوز استبعادها عن طاولة التشريح والتحليل عند اتخاذ القرار”.
الهجوم الإرهابي بلغ ذروته
بعد يومين من الهجوم الإرهابي غير المسبوق يمكن القول بحسب اللواء حسن إن الموجة التصعيدية ضد الدولة السورية “بلغت الذروة”، وإن “سرعة اتخاذ القرار بإعادة الانتشار والتموضع وتجهيز خط دفاعي محصن يمكّن الجيش السوري من استقدام التعزيزات واتخاذ الخطوات المطلوبة لتجهيز القوات للبدء بالهجوم المعاكس قد أدى إلى نتائج أولية تشير إلى ارتفاع نسبة نجاح الهجوم المعاكس بصرف النظر عن السيناريوهات المتعددة التي قد تفرزها نتائج مسرح العمليات”.
ويضيف أن بوادر نجاح الهجوم المعاكس بدأت تظهر مع صباح الأول من كانون الأول 2024 باستعادة السيطرة على قرية قلعة المضيق وعرندس، ومع مرور الساعات توسعت سيطرة الجيش لتشمل عدداً من القرى والبلدات والأماكن التي دخلها المسلحون المهاجمون”.
ويذكّر الخبير العسكري أنه وفق “الفكر العسكري التقليدي كان من المتوقع بعد بلوغ الذروة أن يستمر الوضع على ماهو عليه بضعة أيام، لكن سرعة تبدل اللوحة، وقدرة وحدات الجيش على تطهير مناطق عدة وتحريرها من سيطرة التنظيمات الإرهابية المسلحة يشير إلى أن إعادة الأمور إلى أفضل مما كانت عليه ضمن المستطاع، وأحد السيناريوهات المتوقعة للقادم من الأيام”.
المعركة ضد الإرهاب مستمرة
وعند سؤاله عن مسار عمليات الجيش السوري العسكرية وهل يمكن أن تستمر لتطهير إدلب من الإرهابيين، يرى اللواء حسن أنه من “الصعوبة بمكان” التكهن بذلك لأن الأمر “ليس عسكرياً صرفاً، بل يتداخل هنا العسكري بالسياسي، والداخلي بالإقليمي والدولي، لكن وبوضوح شديد أقول: أتمنى أن لا يوقف الجيش نيرانه بعد إعادة الأمور كما كانت عليه، بل أن يستمر ويكمل تحرير بقية المناطق التي ما زال ينتشر فيها الإرهاب التكفيري المسلح بمسمياته المختلفة”.
واستشهد اللواء حسن بما قاله الرئيس الأسد خلال استقباله وزير الخارجية الإيرانية عباس عراقجي بالأمس “إن الشعب السوري استطاع على مدى السنوات الماضية مواجهة الإرهاب بكل أشكاله، وهو اليوم مصمم على اجتثاثه أكثر من أي وقت مضى”، مشيراً إلى أهمية دعم الحلفاء والأصدقاء في التصدي للهجمات الإرهابية المدعومة من الخارج وإفشال مخططاتها.