هاشتاغ – حسن عيسى
وحدة الأراضي السورية، ومصالحة “النظام والمعارضة”، والحفاظ على الاستقرار، بهذه الكلمات عنون وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو تصريحاته الأخيرة المتعلقة بسوريا، في تحوّلٍ لم تشهده العلاقات الثنائية بين البلدين منذ عقد.
تصريحات أوغلو التي خلقت جدلاً دبلوماسياً كبيراً على الساحة الإقليمية، لم تكن مجرد عباراتٍ واهية أو زلّة لسانٍ لا بُعد لها، بل كانت الشرارة التي اعتبرها كثيرون إشارةً لقرب عودة العلاقات بين أنقرة ودمشق، والدليل الجديد المؤكِد للروايات التي سبقت التصريحات، لاسيما بعد أن خرج أردوغان بنفسه وكررها.
الفعل ورد الفعل
ولأن تركيا ظلت على مدى سنوات الحضن والداعم الأول للجماعات المسلحة في الشمال السوري، فقد كان رد الفعل الأبرز إزاء تصريحات أوغلو في المناطق التي تسيطر عليها تلك الجماعات، تمثّل ذلك بمظاهراتٍ رافضة لفكرة التصالح مع دمشق، مما دفع الخارجية التركية في لإصدار بيانٍ توضيحي حول موقفها من القضية.
البيان الذي صدر في اليوم التالي لتصريحات أوغلو، أشار مجدداً إلى استمرار تركيا في تضامنها مع الشعب السوري، وأنها ما زالت تدعم حلاً سياسيّاً للقضية السورية يراعي مطالب الشعب السوري، لكنه حمّل مسؤولية تعثر المسار السياسي للحكومة السورية، في محاولةٍ منها لامتصاص غضب الشمال.
جميع هذه المعطيات التي رسمها الجانب التركي لم يقابلها أي رد فعلٍ رسمي مباشر من قبل دمشق، التي اكتفت بنفي وجود أي اتصالاتٍ مباشرة تركيا، خصوصاً وأن الأخيرة تتحضر لتنفيذ إحدى أكبر عملياتها في العمق السوري، بمزاعم محاربة الإرهاب ومنع قيام دولة كردية من شأنها أن تهدد مصالح أنقرة.
شروط متبادلة
وتظهر من خلال ذلك ملامح الشروط التي من الممكن أن يفرضها كل جانب على الآخر، تمهيداً لإحياء الدبلوماسية بين البلدين وفق أسس جديدة تلبي مصالحهما، حيث إن أبرز ما تحتاجه تركيا هو تقويض القوى الكردية والحد من نفوذ القوى التي تعدها أنقرة تهديداً لها.
في حين يستوجب ذلك تسليم جميع الأراضي الواقعة تحت السيطرة التركية للجانب السوري، بما في ذلك المعابر الاستراتيجية الواقعة على الحدود المشتركة، إضافةً للانسحاب من جميع المناطق التي استولت عليها قوات الجيش التركي، طوال فترة عمليته العسكري الجارية في سوريا منذ عام 2019.
في هذا الإطار حاول موقع “هاشتاغ” التواصل مع عدد من المعنيين والجهات الرسمية وأعضاء مجلس الشعب في سوريا، لتبيان حقيقة الموقف السوري إزاء ذلك، إلا أننا لم نستطع الحصول على وجهة نظر تشرح ما تكنّه الدولة السورية من أفكار تتعلق بهذا الموضوع.
لكن تبدلات الموقف السياسي التركي الأخير تجاه أزمات المنطقة ليس جديداً، خصوصاً إذا ما تعلق بالجارة سوريا، وذلك بدلالة هجمة تصريحات شرسة شنتها أنقرة على دمشق إبان أحداث عام 2011 وما حملته من صراعاتٍ ما تزال آثارها باقيةً حتى اليوم، حيث جاء ذلك بعد عقدٍ من التقارب السوري التركي بلغ أوجه عام 2007.
منحى العلاقات
لم تكن العلاقات السورية التركية في حالة طبيعية منذ استقلال سوريا وحتى نهاية القرن العشرين، بل سادت حالة من العداء والتأزم مجمل هذه الفترة المديدة، على خلفية أسباب أهمها ضم تركيا لأراضي واسعة من سوريا أبرزها كان لواء إسكندرون.
يضاف إلى ذلك اختلاف الخيارات والتحالفات الإستراتيجية لكلا البلدين، حيث اختارت تركيا السياسات والتوجهات الأطلسية الغربية، في حين انحازت أغلب الحكومات السورية إلى التوجهات الاشتراكية.
وبلغت التوترات بين الجانبين أوجها عام 1998، حين هدد الأتراك باجتياح الأراضي السورية بحجة وقف هجمات حزب العمال الكردستاني، وإيواء سوريا لقائد الحزب عبد الله أوجلان، إلا إن تدخل بعض الدول الصديقة للطرفين مثل مصر وإيران، وخروج عبد الله أوجلان من سوريا، أوقف التأزم بين الطرفين.
وانتهى ذلك النزاع بتوقيع اتفاقية أضنة، والاتفاق على خروج مقاتلي حزب العمال من شمال سوريا، ليبدأ بعدها مشهد العلاقات بالتغير نحو منحىً جديد، تمثّل بتوافقٍ في الجانب الأمني، انتقل للجانب الاقتصادي والسياسي، وليبدأ عهد التقارب الذي قلب حالة العداء التاريخي إلى حالة من التفاهم والتعاون.
تقريب المسافات بين البلدين في تلك الفترة جاء على خلفية رفض القادة الأتراك الحصار الذي حاولت الإدارة الأمريكية فرضها على سوريا، إضافةً إلى الدور الوسيط الذي لعبه الساسة الأتراك بين سوريا ومختلف الحكومات الأوروبية، مما ساهم في مساعدة الحكومة السورية على عبور تلك المرحلة.
وعلى الجانب السوري، تجاوزت القيادة السياسية السورية كل مثبطات العلاقة مع تركيا، فرمت بعيداً بما تحمله الذاكرة والتاريخ تجاه الأتراك، وصرفت النظر عن عضوية تركيا الأطلسية، وشيّدت علاقات ثقة وتعاون معها، ما فرض واقعاً من الاندماج السياسي بقي مستمراً حتى عام 2011.