الإثنين, نوفمبر 18, 2024
- إعلان -spot_img

الأكثر قراءة

الرئيسيةأخبارفي ظل الظروف القاسية.. هل تندثر المهن التراثية والتقليدية في سوريا؟

في ظل الظروف القاسية.. هل تندثر المهن التراثية والتقليدية في سوريا؟

تعاني المهن التراثية والحرف التقليدية في سوريا من تراجع غير مسبوق مرتبط بظروف الإنتاج والسوق، مما يجعلها اليوم مهددة بالاندثار.

ومع تحوّل المنتجات التراثية إلى سلع “أكثر من كمالية” بالنسبة إلى السوريين الذين يعانون من ضعف القدرة الشرائية، وغياب الدعم للحرفيين والتوعية بأهمية وأصالة هذه المنتجات من قبل الاتحادات الحرفية والجهات الحكومية، يواجه حرفيو سوريا تحديات كبرى للاستمرار في حرفهم.

هذا الوضع دفع آلاف الحرفيين إلى إغلاق ورشهم ومحالهم والتحول لأعمال أخرى، أو الهجرة ونقل أعمالهم إلى خارج البلاد، وسط تهديد فعلي باندثار العديد من المهن التراثية والحرف اليدوية التقليدية التي تشكّل قطاعات حيوية من القطاعات الاقتصادية في البلاد وجزءا لا يتجزأ من هويتها الحضارية.

المهن التراثية

يقول أنطون، وهو حرفي دمشقي ومالك سابق لورشة صناعة موزاييك في ريف دمشق، إن كفاحه لسنوات للإبقاء على ورشته مشرعة الأبواب تنتج وتبيع ما يكفي لدفع أجور العاملين فيها لم يكن مجديا.

وفي حديث مع “الجزيرة نت”، يضيف: “حاولت جاهدا الحفاظ على الورشة والعاملين فيها لأطول فترة ممكنة، لكن الغلاء المستمر في أسعار الخشب (المحلي والمستورد) بصورة غير ملائمة، والانقطاع الطويل للتيار الكهربائي (16_18 ساعة يوميا)، وانخفاض الطلب على الموزاييك في السوق المحلية والخارجية، كلها عوامل أجبرتني على تسريح العاملين، ولاحقا إلى إغلاق الورشة بعد انقضاء أشهر لم أستلم خلالها سوى طلبيتين”.

وبالإضافة إلى تلك العوامل، يُرجع أنطون سبب انخفاض الطلب على الموزاييك “الأصلي” وغيرها من المشغولات اليدوية والمصنوعات التراثية (نحاسيات، دمشقيات، أنتيكا، منسوجات) إلى واقع السوق في الوقت الراهن في ظل غياب السياح، وتراجع الطلب الخارجي على السلعة نتيجة انقطاع العلاقات التجارية مع الأسواق الخارجية.

وأشار إلى هجرة الوسطاء والتجار وبالتالي انخفاض التصدير، والمنافسة غير المتكافئة، كأسباب إضافية لانخفاض الطلب على المصنوعات التراثية.

من جهته، كشف رئيس اتحاد الحرفيين في محافظة اللاذقية جهاد برو، في حديث  لـ صحيفة “الوطن” السورية، في شباط/فبراير الماضي، عن تراجع حجم عمل الحرف بمختلف أنواعها لما يتجاوز 50٪ عن السابق، محذرا من تداعيات صعوبات العمل وانعكاسها على الإنتاج بشكل عام.

وأشار برو إلى أن ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج بشكل كبير وغير منطقي خلال الفترة الحالية وزيادة ضرائب الدخل بشكل غبر مقبول، جميعها عوامل تؤثر في عمل الحرفي في جميع المهن من دون استثناء.

وأكد أن الرفع اليومي لأسعار مستلزمات الإنتاج بشكل “أوتوماتيكي” يهدد الإنتاج بشكل كبير، وخاصة الحرف التراثية والمهن التقليدية القديمة التي تشتهر بها محافظة اللاذقية، ومنها صناعات “الفخار، شباك الصيد، الصدفيات، القش، نفخ الزجاج، الحرير وغيرها”.

وطالب بضرورة فتح أسواق لها لتكون مقصدا للزوار والسياح وبالتالي تسويق المنتجات التراثية والتقليدية التي باتت تنافسها المواد المصنعة آليا أو المستوردة ولكن لا تضاهيها بالجودة.

وذكر رئيس اتحاد حرفيي اللاذقية أن هناك حرفيين مهرَة بهذه المهن التراثية ويعملون في منازلهم لعدم قدرتهم على إيجاد محلات في الأسواق المعروفة، ما يستوجب دعمهم ليستمروا في العمل والإنتاج وتحسين دخلهم المادي، مشددا على ضرورة حماية مهنهم المهددة بالاندثار في الوقت الحالي.

ولفت إلى شبه إجماع على المطالبة باعتماد أسلوب ضريبي عادل يراعي الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يمر بها الجميع.

الحرف التقليدية

بدوره، رئيس الجمعية الحرفية لصناعة البوظة والحلويات بدمشق بسام قلعجي، أكد في تصريح لـ موقع “غلوبال” المحلي،  أن أكثر من نصف الحرفيين توقفوا عن الإنتاج وتحولوا إلى العمل في مهن أخرى بسبب الخسارة الكبيرة، فالأرباح لم تعد كافية على سد أجور العمال.

وأضاف قلعجي، أن أبرز الأسباب هو رفع الحكومة الدعم عن المشتقات النفطية، ما أدى لتضاعف التكاليف مباشرة بنسبة 150%، فمثلا سعر كيلو الكهرباء الصناعي 2500 ليرة، ولتر المازوت 13 ألف ليرة، وكيلو السكر 15 ألف ليرة، وأسعار الفستق الحلبي والجوز حدث ولا حرج.

وتابع قلعجي: “الإقبال على الشراء بحدوده الدنيا ويقتصر بنسبة كبيرة على البسطات التي تبيع حلويات بكميات قليلة (أوقية)، بينما أرباب العمل أغلقوا محلاتهم والإنتاج لا يتجاوز الـ 5%مقارنة بسنوات الرخاء”.

وكشف رئيس الجمعية الحرفية لصناعة البوظة والحلويات، أن العدد الأكبر من الحرفيين هاجروا، ما أدى لتراجع عمليات تصدير الحلويات.

وأشار إلى أنه ترد الجمعية وبشكل أسبوعي طلبات لحرفيين يطلبون وثيقة إثبات مهنة للعمل بها في الخارج، وأكثر الدول وجهة هي الجزائر و من ثم ألمانيا.

وطالب قلعجي بضرورة تخفيض الضرائب وتخفيض تسعيرة الكهرباء مع توفيرها للمساهمة في استمرار العمل، وتثبيت أسعار المحروقات فالتغير المستمر بأسعارها لا يخدم السوق.

وكان قد كشف رئيس الجمعية الحرفية لصناعة الحلويات، في آذار/مارس من العام الماضي، عن إغلاق 70% من ورش صناعة الحلويات متأثرة بالأزمة الاقتصادية وضعف الإقبال على شراء الحلويات والمرطبات.

ويقول أحد أصحاب محلات الحلويات في منطقة الجزماتية في دمشق: “تنقضي أيام دون أن نبيع ما مجموعه كيلو من مختلف الأصناف، ومنذ سنتين أصبح كساد البضائع في المحل ظاهرة مألوفة لنا، ولولا مواسم الأعياد، وبعض المناسبات والأفراح التي تقام هنا وهناك، لكنا أغلقنا منذ أمد بعيد”، بحسب ما نقله موقع “الجزيرة نت”.

ويضيف الحلواني الدمشقي: “انخفضت أرباحنا، وأرباح معظم محال الحلوانيين في دمشق بنسبة كبيرة منذ بداية الأزمة الاقتصادية في البلاد”.

ويشير الحلواني إلى أن سعر الكيلو من بعض أصناف الحلويات العربية قد تجاوز الـ400 ألف ليرة مؤخرا، مضيفا: “وهو ما لا قدرة للسوريين على شرائه، ولذلك أصبحنا نتبع أساليب بيع نعتمد فيها على الكميات القليلة، فنبيع البقلاوة والبلورية والمشكَّل والآسية والمبرومة وغيرها من الأصناف بالأوقية والحبة (القطعة) والحبتين للحفاظ على حركة البيع، وعدم انقطاع الزبائن عن محلنا”.

وعن أسباب توقف حلوانيين في دمشق عن العمل وهجرة كثيرين منهم إلى خارج البلاد، يقول الحلواني: “إن الأسباب كثيرة تبدأ من الضرائب السنوية الكبيرة غير المنسجمة مع تكاليف التشغيل المرتفعة والأرباح المنخفضة، ويضاف إليها الارتفاع الكبير في أسعار الكهرباء التجارية والمحروقات اللازمة لتشغيل المحال والمعامل، والزيادة الهائلة بأسعار المواد الأولية، وارتفاع أجور العمال، وعزوف الزبائن عن شراء هذه الحلويات إلا بالمناسبات”.

وارتفعت أسعار المواد الغذائية والمكسرات وغيرها من مكوّنات الحلويات العربية بنسب متفاوتة في الآونة الأخيرة، حيث بلغ سعر كيلو السمن الحيواني 150 ألف ليرة، بينما ارتفع سعر كيلو الفستق الحلبي الحب إلى 300 ألف، وسعر كيلو الجوز إلى 120 ألفا.

وسجّلت أسعار الحلويات الشعبية كالبرازق والمعمول في أسواق دمشق، بحلول رمضان الفضيل، أسعارا تتراوح بين 100 و130 ألف ليرة للكيلو الواحد، في حين تراوحت أسعار الحلويات المتوسطة والفاخرة من قبيل “البلورية” و”المشكّل و”كول وشكور” و”عش البلبل” و”البقلاوة” بين 250 و500 ألف للكيلو الواحد وهو ما يعادل راتب موظف سوري في القطاع العام.

وبالرغم من عدم توفر أرقام دقيقة حول أعداد الحرفيين الذين دفعتهم  ظروف العمل إلى الهجرة خارج البلاد، إلا إن رئيس اتحاد حرفيي دمشق علي قرمشتي كشف في حوار مع موقع “كليك نيوز” المحلي، العام الماضي، أن نسبة الحرفيين الدمشقيين المهاجرين أصبحت مرتفعة جدا لا سيما من شريحة الشباب.

ضربة موجعة للاقتصاد

ويشكّل هذا الاندثار التدريجي للحرف التقليدية ضربة موجعة للاقتصاد السوري، حيث شكّلت هذه الحرف على مر عقود أكبر حاضنة للعمالة السورية، وكانت نسبة مساهمتها في الاقتصاد قبل عام 2011 تتراوح بين 40 إلى 50%”.

مقالات ذات صلة