هاشتاغ | ترجمة: حسام محمد
خلال زيارة قام بها مؤخرا إلى بغداد، دعا وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان إلى بذل جهود إقليمية مشتركة لمواجهة حزب العمال الكردستاني في العراق، فضلا عن جناحه، وحدات حماية الشعب في سوريا، بالإضافة إلى “داعش” في المنطقة.
وقد أثارت الدعوة العديد من الأسئلة حول ما إذا كانت قابلة للتطبيق، بالنظر إلى مواقف الدول المعنية وأولوياتها والعوامل الخارجية.
وزعم فيدان أن حزب العمال الكردستاني يشكل تهديدا لكلا من “تركيا والعراق وسوريا”، وقال إن هناك تفاهما واضحا بين تركيا والعراق حول كيفية معالجة الوضع هناك، مضيفا أن بغداد على اتصال بالسلطات السورية الجديدة وتحاول “التنسيق بشأن العديد من القضايا”.
وقال فيدان أيضا إنه ناقش آليات التعاون المحتملة في المسائل الاستخباراتية والعملياتية، فضلا عن مشاركة الدول الإقليمية، ضد “داعش” خلال زيارته.
ومع ذلك، فإن الأولوية الرئيسية لأنقرة تكمن في مواجهة مشكلة حزب العمال الكردستاني المستمرة منذ عقد، والتي تسببت في السابق في توترات في علاقاتها مع بغداد.
ومع الوضع الجديد في سوريا بعد سقوط بشار الأسد، تأمل تركيا في إحياء الجهود لطرد وحدات حماية الشعب، وقطع روابطها مع حزب العمال الكردستاني في العراق، وضمان وحدة أراضي سوريا لتأمين حدودها الجنوبية في النهاية.
وفي هذا السياق، نقلت صحيفة “ديلي صباح” التركية عن الخبير التركي في شؤون العراق، محمد ألاجا قوله: “إن حقيقة أن إدارة بغداد التي يهيمن عليها الشيعة قد تواجه إدارة سلفية سنية في سوريا تشكل معضلة في حد ذاتها”، مشيرا إلى أنه “من المبالغة أن نتوقع منها الدخول في شراكة ضد حزب العمال الكردستاني”.
وتابع قائلا: إن العراق يجب أن يتبنى أولا موقفا واضحا بشأن حزب العمال الكردستاني وأن يظهر أنه ينظر إلى الجماعة باعتبارها تهديدا في ممارساتها، مضيفا: “على سبيل المثال، علينا أن نرى ماذا ستفعل بغداد ضد التعاون التكتيكي بين حزب العمال الكردستاني والحشد الشعبي في سنجار بالعراق. وعلى الرغم من الإجماع الذي يتشكل حول هذه القضية بين أنقرة وبغداد، فإن العراق قد لا يدخل في مواجهة ضد وحدات حماية الشعب”.
إلى ذلك، قال وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، الأسبوع الماضي إن مهاجمة تركيا لقوات وحدات حماية الشعب في شمال سوريا ستكون خطيرة وستؤدي إلى المزيد من اللاجئين، وهذه علامة واضحة على الرفض، بحسب الخبير.
يذكر أن زيارة الدبلوماسي التركي، جاءت وسط دعوات متكررة من تركيا لتفكيك وحدات حماية الشعب في شمال شرق سوريا بعد سقوط الأسد، مع تحذير أنقرة من أنها قد تشن عملية جديدة عبر الحدود ضدهم ما لم يتم معالجة مخاوفها.
وقد شددت بغداد مؤخرا من لهجتها ضد حزب العمال الكردستاني، وفي العام الماضي، أدرجت المجموعة على أنها “منظمة محظورة”، وذلك بالرغم من مطالبة أنقرة للحكومة العراقية ببذل المزيد في القتال ضد المجموعة، وذكر فيدان أن بلاده تأمل أن تعلن بغداد حزب العمال الكردستاني منظمة “إرهابية”.
وفي آب/أغسطس، وقّعت بغداد وأنقرة اتفاقية تعاون عسكري لإنشاء مراكز قيادة وتدريب مشتركة بهدف محاربة حزب العمال الكردستاني.
بالإضافة إلى ذلك، تأتي زيارة فيدان أيضا بعد مقتل اثنين من حرس الحدود العراقيين الأسبوع الماضي بالقرب من الحدود التركية في إطلاق نار ألقت بغداد باللوم فيه على حزب العمال الكردستاني.
قال ألاجا: “بالنظر إلى أن العراق، الذي امتنع عن رؤية حزب العمال الكردستاني باعتباره مشكلة خاصة به لسنوات عديدة، لم يعترف بالمشكلة إلا بعد ضغوط تركيا ومبادراتها الدبلوماسية، فسيكون من المبالغة في التفاؤل أن نتوقع مواجهة بغداد للمنظمة والهياكل المرتبطة بها”.
وأكد الخبير أن الجغرافيا السياسية الكردية في سوريا لم تكن محور الاهتمام الرئيسي لبغداد لسنوات. بالإضافة إلى ذلك، فإن دعم الجماعات المسلحة العراقية المرتبطة بإيران للأسد وحزب العمال الكردستاني، فضلا عن التعاون المستمر في منطقة سنجار، منع تصنيف أنشطة وحدات حماية الشعب على أنها خطيرة، مشيرا إلى “أن العلاقة الوثيقة بين الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي هو قريب أيضا من إيران، ووحدات حماية الشعب، فضلا عن الادعاءات بأن قائد وحدات حماية الشعب مظلوم عبدي يحمل جواز سفر عراقي، توضح موقف إدارة بغداد من هذه القضية”.
من جانبه، الخبير التركي في شؤون بلاد الشام، أويتون أورهان يرى “هناك إمكانات كبيرة” للتعاون في “مكافحة الإرهاب” بين الدول الثلاث، بحسب زعمه.
وقال: “إن تأمين الحدود وتتبع أنشطة حزب العمال الكردستاني وداعش وتجميع المعلومات الاستخباراتية بشكل منسق سيكون له نتائج مهمة للدول الثلاث وكذلك للأمن الإقليمي”.
ترابط داعش ووحدات حماية الشعب
وبحسب “ديلي صباح”، أكد أورهان أن “داعش” أقوى في العراق وسوريا، التي تستضيف أيضا معسكرات لعناصرها وعائلاتهم، مشيرا إلى أن ضمان أمن السجون والمعسكرات التي تضم أفرادا تابعين لداعش وإعادة هذه الميليشيات إلى أوطانهم من شأنه أن يساعد بشكل كبير في حل المشكلة.
وتابع أورهان: “يمكن لتركيا أن تدعم العراق وسوريا في تطوير قدراتهما العسكرية مع تقديم المساعدة في التخطيط لبرامج إعادة تأهيل عائلات داعش المسلحة”.
أورهان، أكد أن حزب العمال الكردستاني يشكل أيضا مصدر إزعاج مشترك، وأضاف أن السيطرة على المعابر الحدودية بشكل مشترك من شأنه أن يساعد في القضاء على التهديد، مؤكدا أن حل مشكلة “داعش” من شأنه أيضا أن يرفع سبب وجود وحدات حماية الشعب.
وكشف أورهان أن “كل هذه التطورات تتماشى أيضا مع أولويات الحكومة السورية لأنها ستضمن الوحدة الداخلية وتقدم الإدارة الجديدة كشريك عالمي ضد الإرهاب، مما يساعد على الاعتراف الدولي بها”. وأشار إلى أن الإدارة السورية تفضل الوسائل السياسية لحل مشكلة وحدات حماية الشعب، لكن مطالب الجماعة ونموذج الحل الحكومي يعاني من ثغرات.
وأضاف أورهان: “تفضل وحدات حماية الشعب البقاء ككتلة داخل وزارة الدفاع السورية والعمل داخل منطقتها الخاصة. ومع ذلك، فإن هذا النموذج قد يجمع بين خطر التفكك الإقليمي على المدى الطويل. وبالتالي، قد لا تقبله الحكومة.
وتابع: “سيكون الموقف الذي ستتخذه الولايات المتحدة هنا حاسما. إن انسحاب الولايات المتحدة من سوريا قد يسهل الحل السياسي، لكن الدعم المستمر لوحدات حماية الشعب قد يشجع الجماعة ضد دمشق ويقود الحكومة نحو حل عسكري”.
وأكد أورهان أن الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة دونالد ترامب لا تزال غير واضحة بشأن سياستها تجاه سوريا، مشيرا إلى أن تخفيض ترامب عدد القوات الأمريكية في سوريا خلال فترة ولايته السابقة، أثار تساؤلات بين الدول الإقليمية حول ما إذا كانت هذه السياسة يمكن أن تستمر، مع تحول واشنطن بشكل متزايد نحو الشرق الأقصى لمواجهة الصين.
من جانبه، أشار ألاجا إلى أن الاتجاه الذي ستختاره بغداد في علاقاتها مع الحكومة السورية الجديدة سيحدد شكل سوريا التي تريد العراق رؤيتها وما يمكنها القيام به في هذا النطاق، مؤكدا أن “موقف بغداد من حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب في سوريا أيضا سيتشكل في هذا الإطار”.
كما أشار ألاجا، إلى “أن الدعم الذي ستقدمه إيران، التي طُردت من سوريا ولكنها لا تزال مهيمنة في العراق، لحزب العمال الكردستاني سيضع بغداد أيضا في سياسات موازية. وخاصة إذا حاولت الولايات المتحدة طرد الميليشيات الإيرانية من العراق، فإن الاضطرابات الناتجة عن ذلك ستؤثر سلبا بالتأكيد على القتال المشترك ضد حزب العمال الكردستاني”.
واختتمت الصحيفة بالقول، إن إمكانية وجود سوريا مستقرة تسعى جاهدة لتحقيق سلامة أراضيها تجمع بين توقعات جديدة للمنطقة وتركيا، التي يتمثل هدفها النهائي في القضاء على تهديد حزب العمال الكردستاني إلى الأبد، مشيرة إلى أن المصالح المنفصلة والاعتبارات الجيوسياسية لكل طرف سوف تحدد شكل الحرب ضد الخطر الإقليمي المشترك خلال الفترة المقبلة، بحسب تعبيرها.
المصدر: صحيفة “ديلي صباح” التركية