كشفت وثائق استخباراتية سرية تفاصيل مروعة عن نظام المراقبة الأمنية الذي بناه الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، موضحة الطريقة التي استخدمتها أجهزته الأمنية للتجسس على المواطنين وإحكام قبضته على البلاد.
ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة صنداي تايمز البريطانية، حصلت الصحيفة على آلاف الملفات التي تظهر كيفية تسلل النظام إلى حياة المواطنين منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية في عام 2011.
الوثائق تتضمن تفاصيل عن شبكة واسعة من المخبرين كانت تقدم تقارير يومية للنظام، وعن الشكوك التي كانت تحوم حول بعض الجواسيس باعتبارهم قد يعملون كعملاء مزدوجين.
قاعدة بيانات للتجسس الجماعي
في تحقيقها، حصلت الصحيفة على إذن بدخول أربع قواعد استخباراتية في مدينة حمص، التي وُصفت بأنها عاصمة الثورة، من قبل مقاتلين تابعين لهيئة تحرير الشام.
وخلال يومين، قامت الصحيفة بتحليل وثائق تكشف كيف أرغم النظام المواطنين على الإبلاغ عن أصدقائهم وأقاربهم وجيرانهم، مستخدماً التخويف والترهيب.
ووفقاً للتقرير، فإن أجهزة الأمن كانت حريصة على الحفاظ على سرية هذه السجلات، إذ حاول الضباط المنسحبون من اثنتين من القواعد الاستخباراتية إحراق الملفات.
ورغم أن بعض الوثائق تحولت إلى رماد، فإن العديد من السجلات ظلت سليمة.
الوثائق توضح كيف جمعت أجهزة الأمن معلومات شاملة ودقيقة عن حياة المواطنين عبر التنصت على الهواتف، واختراق أجهزة الكمبيوتر، وإرسال عملاء لمراقبة المشتبه بهم شخصياً.
ممارسات قمعية شملت الجميع
تكشف السجلات عن ممارسات قمعية شملت حتى الأطفال.
أحد التقارير يوثق اعتقال صبي يبلغ من العمر 12 عاماً في حمص لمجرد تمزيقه ورقة تحمل صورة الرئيس السابق بشار الأسد.
وأظهرت وثيقة أخرى كيف أُبلغت المدرسة عن الحادثة من قبل معلم الصبي، لتبدأ سلسلة من الاستجوابات انتهت بإحالة الطفل إلى المحاكمة.
وفي حادثة أخرى، أظهرت الوثائق كيف قامت مخبرة بالإبلاغ عن أحد أفراد عائلتها خوفاً من اكتشاف تعاونها مع أجهزة الأمن، مشيرة إلى التهديدات التي كانت تواجه المخبرين في حال اكتشافهم من قبل عائلاتهم أو المعارضة المسلحة.
استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كأداة قمع
أوضحت الوثائق أيضاً أن النظام كان يعتمد بشكل كبير على مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي.
فقد أُلقي القبض على أفراد بسبب منشورات على فيسبوك، تم تفسيرها على أنها طائفية أو تحريضية ضد الدولة. وفي إحدى الحالات، اعتُقل والد لطفل كان يعمل في منظمة إنسانية، واتُهم بالتواصل مع مجموعات معارضة فقط لأنه نسّق دخول قوافل المساعدات إلى مناطق محاصرة.
الجواسيس يتجسسون على بعضهم البعض
النظام لم يكتفِ بالتجسس على المواطنين، بل تشير الوثائق إلى أنه كان يشكك حتى في ولاء المخبرين أنفسهم، حيث كان بعضهم يراقب الآخر دون علمهم.
في إحدى الحالات الموثقة عام 2012، أرسل أحد المخبرين شقيقته إلى منطقة تسيطر عليها المعارضة للحصول على سلاح، لكن الخطة فشلت، وكشف المتمردون هويته.
مستقبل المحاسبة
في أعقاب انهيار نظام الأسد، تزداد التساؤلات حول محاسبة المتورطين في هذه الجرائم.
وصرّح أنس عيروط، المحافظ المؤقت في طرطوس والتابع لهيئة تحرير الشام، أن العدالة ستأخذ مجراها، مؤكداً أن المحاكمات ستتم فقط بناءً على أدلة ملموسة.
وقال عيروط: “الشعب السوري عانى لعقود من القمع والمراقبة، والآن نعمل على بناء دولة عادلة تحفظ كرامة الإنسان وتُحاسب الجناة”.
الوثائق التي تم الكشف عنها تمثل جزءاً من إرث ثقيل من الانتهاكات التي شهدتها سوريا، وتلقي الضوء على طبيعة النظام الأمني الذي حكم البلاد بقبضة حديدية، ما يجعل المحاسبة والاستفادة من هذه الوثائق في تحقيق العدالة خطوة ضرورية في المرحلة المقبلة.