كشف الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، عن جوانب جديدة في حياته الخاصة، وذلك خلال مقابلة مع الصحفي والسياسي البريطاني، أليستر كامبل، في بودكاست “The Rest Is Politics”.
المقابلة، التي بثت، صباح اليوم، خاضت في تفاصيل حياة الشرع الخاصة، إذ سأله المذيع عن عائلته، ليجيب، “لدي زوجة واحدة، رغم أن الإعلام يشيع غير ذلك”، وأضاف: “لدي ثلاثة أطفال. عشنا معا في ظل ظروف صعبة، لكني حرصت على حمايتهم من أي مخاطر محتملة”.
وتابع: “قبل دخولنا إلى دمشق، كنت حريصا على إبقاء معلوماتهم سرية بسبب الوضع الأمني الصعب. كانت الحرب لا تزال مستمرة، وكان من الضروري اتخاذ أقصى درجات الحذر لحماية عائلتي”.
وحول خصوصية عائلته قال الشرع: “في المنصب الذي أشغله اليوم، سيكون لعائلتي حضور طبيعي في المشهد العام. لا أقصد أنهم سيشاركون في العمل السياسي، ولكن للناس الحق في معرفة من هي عائلتي، ومن هم أطفالي، وكيف نعيش. متطلبات الرئاسة في سوريا اليوم تختلف تمامًا عن إدارة إدلب، وأعتقد أن هذا جزء من الدور الذي يجب أن أتحمله”.
وكشف الشرع أن عائلته تنحدر في الأصل من الجولان المحتل، مضيفا: “وُلدت في المملكة العربية السعودية، وعشت في دمشق، ثم ذهبت إلى العراق، ثم عدت أخيرا إلى سوريا من أجل الثورة السورية، لذا مرّت حياتي بمراحل عديدة، وخلال هذه الرحلة، تعرّفت إلى العديد من الأفكار”.
وعن طفولته، أوضح الشرع: “في طفولتي، كنت كأي طفل آخر، نشأت في حي ميسور الحال، من الطبقة المتوسطة أو فوق المتوسطة. درست المرحلة الابتدائية في دمشق، ثم المرحلة الإعدادية والثانوية. بعد ذلك، في السنة الأولى من دراستي الجامعية، اندلعت الحرب في العراق، وشعرت أن عليّ الذهاب إلى هناك”.
وأشار إلى أنه ينتمي إلى عائلة ذات خلفية سياسية، حيث كان والده لاجئا سياسيا في العراق، وكتب عن القضايا السياسية في الصحف السعودية والسورية، موضحا: “كنا نتحدث عن السياسة في منزلنا”.
وحول تجربة اعتقاله في أحد السجون العراقية التي بقي فيها لخمس سنوات، قال الشرع إنه وقع أسيرا في العراق في وقت مبكر، وتم إرساله إلى سجن “أبو غريب” الشهير، حيث كان الناس يُعذبون، ثم نقل إلى سجن “بوكا”، وبعد ذلك إلى سجن “كوبر” في بغداد، وأخيرا إلى سجن “التاجي” قبل أن يتم الإفراج عنه.
وتابع: “خلال هذه الجولة في السجون، تعرّفت إلى العديد من الأشخاص، وأصبحت أكثر نضجا سياسيا، ورأيت أن هناك فرقا كبيرا بين ما كنتُ أؤمن به وبين بعض الأفكار التي كنت أسمعها من سجناء آخرين، والتي كانت صادمة لي، ولا سيما فيما يتعلق بالصراع الطائفي الذي كان مشتعلا في العراق”.
وأضاف: أنا مستعد تماما لمناقشة هذا الموضوع، لكن في ظل موقعي الحالي، فإن تقديم إجابة مختصرة عن مثل هذا السؤال الكبير سيعرض سوريا لانتقادات كثيرة، ولا أريد أن أضع سوريا في هذا الموقف الآن”.
وأشار الشرع إلى أنه لم يكن يختبئ بالطريقة التي قد يتصورها البعض، إلا في بعض الحالات التي تتعلق بالمعارك أو الحرب، والتي كانت تتطلب الحذر، وأضح: “لم أكن أعيش حياة معزولة عن الناس إطلاقا. كنت أعيش بينهم بينما أبقي بعض الأمور سرية”.
كما قال الشرع، إن حياته لم تكن سرية بمعنى أن تكون مخفية وغير مرئية طوال الوقت، بل كان لديه الكثير من الأعمال المتعلقة بالاجتماعات اليومية طوال اليوم، إلى جانب الوقت المخصص للعلاقات العامة.
وأضاف: “الآن، في موقعي الجديد، لا أمانع في مشاركة تفاصيل حياتي مع الجميع لأن ظروف العمل التي كنا نواجهها سابقا قد تغيرت تماما، ونحن اليوم في مرحلة جديدة”.
وحول الانتقال من الخطاب النظري إلى خطاب أكثر انفتاحا مع الجمهور، خاصة في ظل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، قال الشرع: “كل مرحلة لها ظروفها. ففي إدلب كنت أتعامل مع الناس بشكل علني وأدير شؤونهم، وألتقي بمختلف فئات المجتمع. كنت سياسيا هناك أيضا، ولكن ليس بنفس الدرجة التي أنا عليها الآن في دمشق. وكما تعلم، يختلف الخطاب في زمن الحرب عنه في زمن السلم، حسب الظروف وما هو مطلوب من الناس في كل مرحلة”
وحول تخصيص الولايات المتحدة الأمريكية مكافأة قدرها عشرة ملايين دولار لمن يعطي معلومات عنه خلال قيادته “هيئة تحرير الشام” في إدلب،قال الشرع، إن ذلك الأمر لم يكن يُسبب له أي مخاوف، حيث كان يلتقي مع وفود من الخارج وكانت له العديد من التفاعلات مع الصحفيين.
وأضاف: “كان لدي كذلك اجتماعات منتظمة مع الجامعات والأساتذة والوزارات المختلفة. كنت ملتزما بخدمة الناس، والدفاع عنهم، وبناء المؤسسات، والعمل نحو اختراق دمشق لإسقاط هذا النظام وتحرير الشعب السوري، أثناء أداء مهامي، لم أولِ تلك المكافأة الكثير من الاهتمام. لم أكن أعتقد أن أحدا سيسعى لهذه المكافأة لقاء قتل شخص كان مخلصا في خدمة الناس”.
وردا على سؤال الصحفي البريطاني: هل تعتقد أن موقعك يفرض عليك أن تكون متحكما في كل شيء؟، قال الشرع: “لا يمكن للإنسان أن يقيّم نفسه بنفسه. من الأفضل ترك الحكم للآخرين. أنا أحب أن يتم إنجاز العمل بإتقان، وأن يكون كل شخص على دراية بمسؤوليته. الأمر لا يتعلق بالسيطرة، بل بمسؤولية القيادة”.
وأضاف: “لو لم يكن هناك انضباط واحترام للقرارات، لكانت هناك فوضى عارمة تهدد السلم الوطني. عندما كنا نتقدم نحو دمشق عبر حلب وحماة وحمص، كنا نواجه مجتمعا منقسما بسبب سياسات النظام. لو لم يكن هناك تنظيم وسيطرة على القوات، لكانت هناك تجاوزات قد تؤدي إلى زعزعة الاستقرار”.
وحول طموحه بأن يصبح رئيسا، قال الشرع: “من يمر بتجربة مثل تجربتنا لا يهتم كثيرا بالمناصب التي يحصل عليها. نحن نعيش في زمن يصنع فيه القائد المنصب. وليس المنصب هو الذي يصنع القائد. واجهنا تحديات كبيرة، وكنا بحاجة إلى مستوى عال من النزاهة الأخلاقية للوصول إلى ما نحن عليه اليوم”.
واضاف: “السعي نحو الرئاسة كهدف نهائي هو عقلية خاطئة. نحن نركز على خدمة الناس بغض النظر عن المنصب الذي نشغله”.
وكشف: “أعتقد أن العقلية الثورية لا تستطيع بناء دولة. نحتاج إلى عقلية مختلفة عندما يتعلق الأمر ببناء دولة وإدارة مجتمع كامل. بالنسبة لي، انتهت الثورة بالمعنى السابق بإسقاط النظام”.
وأضاف: “الآن انتقلنا إلى مرحلة جديدة، تتعلق بإعادة بناء الدولة، والتنمية الاقتصادية، والسعي نحو الاستقرار والأمن الإقليمي، وطمأنة الدول المجاورة، وإقامة علاقات استراتيجية بين سوريا والدول الغربية والدول الإقليمية”.
وتابع قائلا: “لقد كنتُ مقاتلا، لكن ليس لأنني رغبت في القتال. واليوم أنا رئيس، ولكن ليس لأنني رغبت في أن أكون رئيسا، عندما كنت مقاتلا، كنت حريصا جدا على التأكد من أن المدنيين لم يتعرضوا للأذى في معاركنا، لا أزعم أنني خالٍ من الأخطاء، على العكس تماما. ارتكبنا بعض الأخطاء، ولكنها لم تصل إلى حد إيذاء المدنيين”.
مستقبل سوريا
وعن مؤتمر الحوار الوطني، والدستور، والانتخابات، أشار الشرع إلى أن سوريا تمر بمراحل عديدة، وأن الأولوية كانت لتثبيت الحكومة لمنع انهيار مؤسسات الدولة، مضيفا: “كان لدينا حكومة إدلب جاهزة لتولي المسؤولية بمجرد السيطرة على دمشق. منحنا ثلاثة أشهر لهذا الهدف، ثم سننتقل إلى المرحلة التالية التي تشمل إعلانا دستوريا، ومؤتمرا وطنيا، واختيار الرئيس”.
وأضاف الشرع: “قمنا بتعيين الرئيس وفق الأعراف الدولية بعد التشاور مع خبراء دستوريين. القوات المنتصرة عيّنت الرئيس، وألغت الدستور السابق، وحلّت البرلمان القديم”.
وبيّن: “الآن سننتقل إلى الحوار الوطني، الذي سيشمل طيفا واسعا من المجتمع، وسيؤدي إلى توصيات تمهد لإعلان دستور جديد، كما سيتم تشكيل برلمان مؤقت، وسيتولى هذا البرلمان تشكيل لجنة دستورية لصياغة الدستور الجديد”.
وبشأن العقوبات المفروضة على سوريا، قال الشرع، إنه تم فرض العقوبات على النظام السابق بسبب جرائمه، مثل المجازر الجماعية، ولكن بعد سقوط النظام وتفكيكه، لم يعد هناك مبرر لهذه العقوبات، “لذا يجب رفعها فورا”.
وختم الشرع حديثه بالقول: “ورثنا دولة مدمرة تماما بسبب النظام السابق. لكن هذا هو التحدي الذي يجب أن نواجهه كسوريين. علينا أن نعيد بناء بلدنا. صحيح أن هناك صعوبات، لكن لا شيء مستحيل. بالإرادة والعمل الجاد، يمكننا النهوض بسوريا وجعلها قصة نجاح إقليمية وعالمية”.