في العام 1998 كان العالم يدخل عصراً معلوماتياً جديداً، شركة «جوجل» تبدأ عملها من مرآب للسيارات في أميركا، و«مايكروسوفت» تطرح نظامها الجديد «ويندوز 98».
هاشتاغ-رأي-صدام حسين
في ذلك العام كان شاب سوري يشقّ طريقه من دمشق إلى الولايات المتحدة، باحثاً عن فرصة عمل في هذا المجال.
وجد الشاب المتحمّس فرصته في عالم بيل غيتس، وأصبح موظفاً في مقرّ شركة مايكروسوفت، بعد أن ساهم سابقاً في تأسيس «الجمعية السورية للمعلوماتية»، وسجلت باسمه براءات اختراع عدة.
هذا الشاب هو الدكتور عمرو سالم، الذي عاد إلى سوريا، وعمل مستشاراً في رئاسة الجمهورية، وبعدها وصل إلى كرسي وزارة الاتصالات.
في ظل سطوة المواقع الإلكترونية، قبل انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، وجد الناس آنذاك متنفساً عبر الفضاء الإلكتروني المتمرّد على الورق والإعلام الرسمي، ووجدت الحكومة نفسها عاجزة عن ضبط تعليقات الغاضبين من سياسات الفريق الاقتصادي بقيادة عبدالله الدردري.
اتهم الوزير عمرو سالم وقتها بحجب عشرات المواقع الإلكترونية التي توهن عزيمة الأمة والوزراء، بضغط من بعض المسؤولين، ولكنه نفى ذلك جملة وتفصيلاً.
في العام 2007 وفي ذروة الحديث عن رفع الدعم كلياً، ووسط حالة الهلع التي كانت تنتاب السوريين من نوايا الفريق الحكومي، تحدّث عمرو سالم عن أهمية «البطاقة الذكية» التي خططت الحكومة لإطلاقها في زمن الدردري.
شرح سالم ميزة هذه البطاقة في ترشيد الدعم وإيصاله لمستحقيه، وقال بالحرف: «المواطن الذي يمتلك فيلا ولديه مسبح وتدفئة مركزية ليس من واجب الحكومة تدفئته».
كان الرجل صريحاً وتوّقع أن تتجاوز أخطاء البطاقة الذكية 30 بالمئة.
«هناك فساد ذكي ويجب أن تكون معالجته ذكية» هذا شعار البطاقة الذكية التي بشر بها عمرو سالم السوريين قبل عشرة أعوام من إصدارها.
أمضى عمرو سالم عامين في وزارة الاتصالات ثم خرج منها، وتمت تبرئته لاحقاً من تهم فساد مزعومة.
ولكن اسم الرجل المحافظ لم يخرج من التداول، وربما يكون سالم أحد أشهر الوزراء السابقين في سوريا، نظراً لنشاطه الملحوظ على السوشيال ميديا، لدرجة تسميته شعبياً بـ «الوزير الفيسبوكي».
بعد 14 عاماً من الحياة كوزير سابق، وعشرة أعوام من الحرب الطاحنة، عاد عمرو سالم من جديد إلى الحكومة، ولكن هذه المرة من بوابة وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك.
وحان الآن موعد تطبيق النصائح الفيسبوكية التي كان يسديها للحكومة عبر صفحته على «الموقع الأزرق».
وعدَ سالم فور وصوله للوزارة بالعمل ليلاً ونهاراً، وقال إنه لن يعترض على الشتائم أو النقد أو التجريح الشخصي ولن يتخذ بشأنه أية إجراءات.
ولكن في أول مواجهة مع الإعلام اتهم الوزير الجديد صحيفة الوطن المحلية بـ «الفبركة»، على خلفية استطلاع للرأي في الشارع عن فقدان السكر والزيت والارتفاع الجنوني للأسعار.
خصص الوزير ليتر زيت لكل عائلة شهرياً على البطاقة الذكية وحاول توطين الخبز، وانتظر ١٠٠ يوم كأي مواطن دوره على جرة الغاز، حسب قوله.
اوفى عمرو سالم بوعده العمل ليلاً ونهاراً، حتى أن ليلة من ليالي السوريين لا تكاد تخل من قرار جديد برفع الأسعار، وأصبح الشعب محاصراً بالأزمات والطوابير.
ربما يكون الرجل سيء الحظ، فهو تسلم وزارة تعنى بالغذاء، في وقت يعاني فيه أكثر من نصف السوريين من انعدام الأمن الغذائي بسبب الحرب والفساد، مع نحو 12 مليون شخص داخل سوريا «لا يعرفون من أين سيأكلون» حسب برنامج الغذاء العالمي، وحصار اقتصادي غير مسبوق أوصل الغالبية العظمى من السوريين إلى خط الفقر المدقع.
ربما يحسب للوزير عمرو سالم الشفافية النسبية التي يمارسها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهو من الوزراء القلائل الذين نظموا مؤتمراً صحفياً لإخبار الناس بما يفعل.
عكس بقية أعضاء الحكومة الذي يصدرون قرارات ربما تكون أكثر إيلاماً للمواطن في الخفاء ويعملون في الظل وتحت جنح الليل.
قد يكون نشاط الوزير الفيسبوكي هو ما يعرّضه للنقد الزائد، حيث يحرص على نشر ما تقوم به وزارته يومياً وتظهر منشوراته بشكل متكرر على مواقع التواصل الاجتماعي.
يبدو الرجل حريصاً على الملكية الفكرية، وعنده قناعة غير مفهومة بأن «الدنيا تزول قبل أن تزول الشام»، مقولة تحوّلت إلى نكتة ومادة للتندّر، لأن البلاد برمتها أصبحت مهددة بالزوال.
بعد إجراء تعديل طفيف على الحكومة السورية قبل أشهر سألني صديق عربي وهو مدهوش، صحيح أنكم «عينتم» في سوريا وزيراً كان يعمل سابقاً في شركة مايكروسوفت؟
نظرت مشدوهاً وأبديت شعوراً مزيفاً بالفخر، لأنني أعلم في قرارة نفسي أنه لو تم تعيين بيل غيتس نفسه وزيراً في سوريا سوف يفشل ويغرق في الروتين الحكومي والبيروقراطية والتفاصيل.
أرسل لي الصديق ذاته بعد فترة صورة لوزير سوري يحمل عبوة من الزيت، فقلت له هذا هو ذاته الوزير القادم من مايكروسوفت، وهذه حكاية إبريق الزيت في سوريا!.