جاء البيان الذي أصدرته “إدارة العمليات العسكرية” الحاكمة في سوريا منذ 8 كانون الأول/ديسمبر الماضي، ليشكل منعطفا جديدا في تاريخ البلاد، خاصة أن “إعلان انتصار الثورة السورية”، يشكل قطيعة كاملة مع مرحلة سابقة.
التطورات التي شهدتها سوريا منذ 8 كانون الأول/ديسمبر الماضي، تؤكد أن ما جاء في الإعلان كان قد تم تنفيذه فعليا على أرض الواقع، فالجيش تبخر منذ اليوم الأول لدخول الفصائل المسلحة إلى دمشق، كذلك أعضاء الحكومة والبرلمان، الذين تخلوا عن مواقعهم بعد يوم واحد، بل إن التعطيل طال المؤسسات المدنية الأخرى، التي بدأ بعضها لاحقا يعود إلى العمل تدريجيا.
أما تسمية قائد إدارة العمليات العسكرية، أحمد الشرع، رئيسا لفترة انتقالية، فهو ما يأتي ليشكل الطابع الشرعي على الدور الذي كان يقوم به الرجل منذ الإطاحة بنظام الأسد.
“إعلان انتصار الثورة السورية” لم يتضمن أي مهلة لجميع الإجراءات التي سيتخذها الحكام الجدد، فهو تضمن تسمية الشرع رئيسا لفترة انتقالية دون تحديد زمنها، كما فوّضه بتشكيل “مجلس تشريعي مؤقت”، للمرحلة الانتقالية، يتولى مهامه إلى حين إقرار دستور دائم للبلاد ودخوله حيز التنفيذي، دون تحديد فترة، يلتزم الرئيس خلالها بتشكيل المجلس، كما لم يحدد للمجلس فترة محددة لوضع وإقرار دستور دائم، وهو الخطوة الأولى لأي “تغيير سياسي” في البلاد.
ذلك “المدى المفتوح” لعمل “المجلس المؤقت”، يعني أن الرؤية التي سبق أن طرحها الشرع خلال حوار متلفز، هي الأقرب اليوم لتكون واقعا، وقد سبق للشرع أن قال إن إعداد الدستور يتطلب فترة زمنية حددها بـ3 سنوات، أما الانتخابات التي ستُجرى بناء على ذلك الدستور، فقال إنها تتطلب 4 سنوات.
تطرح هذه القرارات، وخصوصا طبيعة المجلس التشريعي الذي سيشكله الرئيس الشرع في المستقبل القريب، تساؤلات متنوعة في الشارع السوري، وبين المختصين بالقانون، حول ماهية هذا المجلس وأدواره، خاصة في ضوء التجارب السابقة التي أظهرت ميل الإدارة السورية الجديدة إلى اعتماد “اللون الواحد” في تشكيل المؤسسات، سواء عند تشكيل الحكومة المؤقتة أو في توزيع المسؤوليات في مفاصل الدولة.
ومع تزايد الاهتمام بهذا الموضوع، يطرح المختصون بالقانون تساؤلات أساسية حول ماهية المجلس التشريعي الذي سيشكله الرئيس الشرع.
وفي هذا السياق، كتب المحامي السوري، عارف الشعال مقالا عبر صفحته الشخصية على “فيسبوك”، تناول فيه الحالة الدستورية التي تمر بها سوريا حاليا.
وبيّن الشعال، أن الرئيس الشرع يمارس سلطاته في غياب أي وثيقة دستورية تنظم أو تحدد هذه السلطات.
وأوضح الشعال أن الرئيس الشرع يعتبر، حاليا، رئيسا للسلطة التنفيذية بشكل كامل، بينما بالنسبة للسلطة التشريعية، يمتلك تفويضا مطلقا لتعيين أعضاء المجلس التشريعي دون أي قيود، سواء فيما يتعلق بعدد الأعضاء، أو مواصفاتهم، أو نسب تمثيلهم.
وأشار إلى أن المجلس التشريعي المنتظر سيتولّى مهام إصدار القوانين وإلغائها أو تعديلها.
وتتسع صلاحيات الرئيس الشرع لتشمل السلطة القضائية، حيث يضيف المحامي الشعال: “عملا بأحكام المادة 65 من قانون السلطة القضائية، يعتبر الشرع رئيسا لمجلس القضاء الأعلى، وينوب عنه وزير العدل”.
المحامي الشعال يتساءل حول ما إذا كان الرئيس الشرع سيصدر الإعلان الدستوري بنفسه، أم سيترك ذلك للمجلس التشريعي المنتظر.
إلى أين تتجه سوريا؟
من جهة أخرى، يرى المحامي جميل الأحدب أن تولي الرئيس الشرع مهمة تشكيل المجلس التشريعي قد يواجه اعتراضات كثيرة نظرا لأهمية هذا المجلس في تسيير أمور البلاد من الناحيتين القانونية والتشريعية.
وأضاف الأحدب أن “المفترض أن يتم تشكيل المجلس التشريعي بعد انعقاد مؤتمر الحوار الوطني، كي يكون نتيجة لتوافقات بين مكونات الشعب السوري”.
لكنه اعتبر أن تولي الرئيس الشرع مهمة تشكيله دون تحديد كيفية انتقاء الأعضاء أو عددهم أو مهامهم، قد يؤدي إلى تأثيرات سلبية على التوافق الوطني، وفقا لحديثه مع “إرم نيوز”.
ويعتقد الأحدب أن تأجيل مؤتمر الحوار الوطني إلى أجل غير مسمى يعني أن المجلس التشريعي الذي سيشكله الرئيس الشرع سيستمر لفترة طويلة دون تحديد زمني لانتهائه.
وقال: “نحن أمام فترة انتقالية قد تمتد لأربع سنوات، كما أشار الرئيس الشرع في إحدى مقابلاته، وخلال هذه الفترة سيكون المجلس التشريعي والإعلان الدستوري هما المرجعية التشريعية المعتمدة. لكننا لا نعلم كيف ستتعامل مكونات المجتمع مع مجلس لم تشارك في صنعه”.
ويستعرض الأحدب تجارب دولية سابقة، حيث يقارن الفترة التي تلت الثورة السورية بما حدث في دول أخرى، قائلا: “القول إن كتابة الدستور، وإجراء الانتخابات، يتطلبان 4 سنوات مبالغ فيه، فالفترات الانتقالية عادة لا تستمر أكثر من عدة أشهر أو سنة، أما 4 سنوات فهي فترة ولاية رئاسية كاملة”.
تلك الوقائع، تقول إن سوريا ستشهد خلال الفترة القادمة، وحتى إقرار دستور، ما يمكن وصفه بـ”تعزيز السيطرة” على الحكم في سوريا، عبر حكامها الجدد الذين بدؤوا فعلا بتشكيل “جيش وطني” يضم قادة الفصائل التي خاضت معارك ضد نظام الأسد، إضافة إلى الشرطة التي بدأت بتخريج دفعاتها الأولى، وهما مؤسستان مهمتان لتثبيت أي حكم في سوريا.
وفي ظل هذا السياق، يترقب السوريون بحذر القرارات التي صدرت عن اجتماع القيادة العسكرية، ويحاولون تحليلها بدقة.
ويعبّرون عن مخاوفهم من التحديات التي قد يواجهونها في المستقبل، وعلى رأسها مسألة الاستئثار بالسلطة، وكيفية كتابة الدستور، بالإضافة إلى تعقيدات الملفات الداخلية الأخرى التي تحتاج إلى حلول جذرية.