هاشتاغ – عبد الرحيم أحمد
مع بدء تطبيق وقف إطلاق النار بين المقاومة اللبنانية (حزب الله) وجيش كيان الاحتلال الإسرائيلي فجر السابع والعشرين من تشرين الثاني، بدأت التحليلات السياسية تتحدث عن المنتصر والخاسر في الحرب التدميرية التي شنتها “إسرائيل” ضد حزب الله بهدف القضاء عليه بشكل مبرم، لدرجة أنه مع اغتيال الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله بدأ العديد من المسؤولين الإسرائيليين وبعض اللبنانيين يتحدثون عن “لبنان ما بعد حزب الله”.
أما وقد وضعت الحرب أوزارها فلا يمكن أن يقاس الانتصار والهزيمة بحجم الخسائر البشرية وكمية الدمار لدى هذا الطرف أو ذاك، فالمعادلة هنا غير عادلة و لا تستطيع أن ترسم معالم النصر أو الهزيمة لأي من الطرفين “إسرائيل” وحزب الله، مع علم الجميع – في الحزب قبل غيره- أن العدو يمتلك من القوة التدميرية تفوق كل جيوش المنطقة.
إذاً، فالمعادلة التي ينبغي أن تقاس بها نتائج المعركة، هي مدى تحقيق طرفيها أهدافهما المعلنة وتلك غير المعلنة والتي يمكن قراءتها من خلال تصريحات المسؤولين لدى الجانبين، وبالتالي يمكن أن نطرح أسئلة عما حقق الطرفان من الحرب لاستنباط المنتصر والمهزوم.
ماذا حقق حزب الله؟
عندما بدأ حزب الله عملياته العسكرية في 8 تشرين الأول 2023 ضد كيان الاحتلال الإسرائيلي بعد يوم من طوفان الأقصى، أعلن أن عملياته هي دعم ومساندة للشعب الفلسطيني ومقاومته في قطاع غزة، تعزيزاً لصمود هذا الشعب ومحاولة تشتيت العدو ومنعه من تحقيق أهدافه في غزة.
اليوم وبعد عام ونيف مازالت غزة صامدة رغم حجم الدمار المهول الذي ألحقته آلة الحرب الإسرائيلية بالقطاع وأهله، ورغم آلاف الشهداء والجرحى، وما يزال الأسرى الإسرائيليون في عهدة المقاومة الفلسطينية.
فإسرائيل لم تستطع استعادتهم، ولم تستطع القضاء على حماس وغيرها من قوى المقاومة كما أعلنت مع بدء عدوانها البري ضد القطاع.
حزب الله خسر خيرة قادته وعلى رأسهم الأمين العام السيد حسن نصر الله ومعه عدد كبير من القيادات السياسية والعسكرية، ولكن الحزب كان دائماً مستعداً للتضحية وبذل الدماء سواء على مستوى القيادات أم على مستوى الأفراد، وبالتالي فإن مقياس الخسارة هنا رمزي ونسبي وليس جوهرياً في بنية المقاومة وإستراتيجيتها وأهدافها بعيدة المدى.
بمقياس حجم القوى العسكرية، ألحق الحزب خسائر كبيرة بكيان الاحتلال سواء على المستوى الاقتصادي أم على المستوى العسكري والميداني والبيئة الداخلية للكيان مع شل الحياة الاقتصادية والاجتماعية في شمال فلسطين المحتلة لمدة عام كامل، وضرب المعامل والمقرات العسكرية باعتراف العدو نفسه.
هل غيرت الحرب الوضع الأمني في الشمال بالنسبة “لإسرائيل”؟
يشكل اتفاق وقف إطلاق النار إذا ما تم تطبيقه والالتزام به نسخة من القرار 1701، بل هو القرار نفسه ولكن بلغة محدّثة، وبالتالي لم تغيّر الحرب ولا اتفاق وقف إطلاق النار من طبيعة انتشار المقاومة اللبنانية ( حزب الله) في جنوب لبنان، ولم ولن تغيّر في معادلة الردع وقدرة الحزب على الرد على أي عدوان إسرائيلي محتمل في المستقبل، وخصوصاً أن الحزب يستطيع الرد من جنوب نهر الليطاني ومن شماله ومن البقاع ومن جميع المناطق اللبنانية عبر صواريخه التي تطال معظم مناطق الكيان ومقراته ومدنه.
بالنسبة “لإسرائيل” أيضاً، الكل يعلم أنها لم تحترم أبداً أي اتفاق وقعته، ولن تحترم بالتالي الاتفاق الأخير، ولا يوجد شيء يردعها سوى القوة وباعتقاد الكثير من دول العالم أنها لن تتواني عن العدوان على لبنان في أي وقت وأي مرحلة مقبلة.
هل قضت “إسرائيل” على سلاح حزب الله؟
بالرغم من البروباغندا الإعلامية الإسرائيلية والغربية وبعض العربية وعلى لسان كبار مسؤولي العدو الإسرائيلي عن تدمير 80% من قدرات حزب الله العسكرية والصاروخية خلال الشهر الأول من الحرب، ظهر الحزب حتى الساعات الأخيرة قبيل وقف إطلاق النار قادر على كسر الدفاعات الجوية الإسرائيلية وتوجيه ضربات موجعة إلى قلب تل أبيب وإلحاق دمار بها وإنزال ملايين الإسرائيليين إلى الملاجئ.
في الحرب العدوانية التي شنتها “إسرائيل” ضد حزب الله وضد لبنان، لم تحقق أهدافها وإن استطاعت فعلاً من توجيه ضربات قاسية للحزب في بنيته التنظيمية والعسكرية، بدليل أنها فشلت في تحقيق التوغل البري الذي تحدث عنه نتنياهو، وبدليل الخسائر الكبيرة التي تكبدها جيشها وكذلك استمرار ضرب صواريخ المقاومة تل أبيب حتى قبل ساعات من بدء سريان وقف إطلاق النار.
غالبية الجمهور الإسرائيلي بحسب استطلاعات الرأي الأخيرة يعتقد أن “إسرائيل” لم تلحق هزيمة بحزب الله ولم تحقق انتصاراً عليه، حيث اظهر آخر استطلاع للرأي أن 60% من الإسرائيليين يعتقدون أن “إسرائيل” لم تحقق النصر على الحزب.
هدنة لمعركة مقبلة في حرب وجودية
وقف إطلاق النار اليوم يشكل مرحلة لإعادة حزب الله ترميم نفسه بعيداً عن ضغط القصف الجوي العنيف والإستهدافات اليومية لكل ما يمت للمقاومة بصلة، وهي مرحلة مهمة للحزب لإعادة بناء ما تهدم وتقييم الثغرات ونقاط الضعف بالاستفادة من مجريات المعركة تحضيراً لمعركة مقبلة ستكون بلا شك أشد قسوة وأكثر عنفاً من كل ما سبق.
من جانبه، سيعمل العدو الإسرائيلي الذي تضررت صورته عالمياً بسبب ما ارتكبه من مجازر في قطاع غزة وفي لبنان، سيعمل على ترميم هذه الصورة في ظل أوامر التوقيف الدولية التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحق كل من رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو و وزير حربه السابق يوآف غالانت.
ليس هذا فحسب، بل يشكل وقف إطلاق النار في جنوب لبنان بالنسبة للكيان مناسبة لتخفيف الضغط على المستوطنين وخصوصاً في الشمال، وكذلك تخفيف الضغط عن جيش الاحتلال والتركيز على قطاع غزة حيث مايزال هذا الجيش غير قادر على تحقيق الأهداف التي وضعها نتنياهو قبل عام ونيف.
في ميزان النصر والهزيمة، خصوصاً في هذا النوع من المعارك في سياق حرب يراها الطرفان “حربا وجودية”، ليس هناك من منتصر سوى من يمتلك إرادة الصمود والتمسك بالحقوق والتحضير الجيد لمعركة “وجودية” مقبلة قد لا يمر وقتاً طويلاً قبل أن تشتعل نيرانها التي تخبو تحت رماد وقف إطلاق النار.