بالإضافة إلى مآسي الجوع والبرد وندرة مياه الشرب، تعاني النساء والفتيات في قطاع غزة أوضاعا إنسانية صعبة خاصة بهن، وذلك منذ بدء الحرب التي شنتها “إسرائيل” على القطاع، قبل نحو 5 أشهر.
وقبل اليوم العالمي للمرأة الذي يصادف بعد غد الجمعة الثامن آذار/مارس، تقدر منظمة الصحة العالمية عدد الحوامل في قطاع غزة بنحو 52 ألف امرأة، قالت إنهن معرضات للخطر بسبب انهيار النظام الصحي وسط الحرب المستعرة.
وأشارت الأمم المتحدة الشهر الماضي إلى أن 12 مستشفى فقط ما زالت في الخدمة من أصل 36. وتسببت القيود التي تقول الأمم المتحدة إن “إسرائيل” السبب فيها بتوقف معظم قوافل المساعدات.
ويقول صندوق الأمم المتحدة للسكان إن 62 حزمة مساعدات من المواد الخاصة بحالات الولادة تنتظر السماح لها بالدخول عبر معبر رفح.
وفي مستشفى الولادة الإماراتي في رفح التي لجأ اليها نحو 1.5 مليون شخص، لم يتبق سوى 5 غرف للولادة، بحسب “وكالة الأنباء الفرنسية”.
وقال صندوق الأمم المتحدة للسكان في تقرير الشهر الماضي إن انتشار المراحيض والحمامات غير الصحية يؤدي إلى التهابات المسالك البولية الخطرة على نطاق واسع.
ولا تقتصر المخاوف على الولادة نفسها، بل تتعداها إلى تحديات عدة مثل إبقاء الأطفال على قيد الحياة في ظل الحرمان من المواد الأساسية كالماء والغذاء.
ووفقا لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف”، فإن 95% من النساء الحوامل أو المرضعات يواجهن نقصا غذائيا حادا.
وتقول ممثلة صندوق الأمم المتحدة للسكان في الأراضي الفلسطينية دومينيك ألن “هناك العديد من الأزمات في المنطقة التي تعتبر كارثية بالنسبة للنساء الحوامل”.
وتضيف أنه بسبب الكثافة السكانية في غزة وغياب أماكن آمنة، الوضع “أسوأ من كل كوابيسنا”.
ظروف الحمل والولادة
تثير الظروف الكارثية والموت المنتشر في كل مكان الخوف في نفوس النسوة الحوامل، وبينهن ملاك شبات “21 عاما”، التي لجأت إلى مدينة رفح في جنوب قطاع غزة بعدما نزحت مرات عدة من منطقة الى أخرى هربا من الغارات الجوية الإسرائيلية. وتقول شبات التي يقترب موعد وضعها وتعيش في خيمة “أنا خائفة جدا من الولادة في هذا المكان”، بحسب ما نقلت “الوكالة الفرنسية للأنباء”.
واضطرت أسماء أحمد إلى النزوح عن منزلها في شمال قطاع غزة بسبب القصف الإسرائيلي قبل أن تنجب طفلها في منتصف الليل في مدرسة إيواء في مدينة غزة، حيث لا يتوفر التيار الكهربائي.
ساعد طبيب أسماء على وضع جنينها على ضوء الهاتف الخلوي وقطع الحبل السري بواسطة مقص متعدد الاستخدام.
ووصلت سماح الحلو إلى رفح في الشهر الأخير من حملها وكافحت لتحصل على الرعاية التي تحتاجها.
وتقول “أخبروني أني سأحتاج إلى عملية جراحية بسيطة أثناء الولادة.. تأخرت الجراحة أسبوعين إذ لم يكن هناك أطباء ولا أسرة ولا غرف عمليات”.
لاحقا، وضعت الحلو طفلها محمد لكنها لم تستطع البقاء في المستشفى، إذ سرحها الأطباء مع طفلها لوجود حالات ولادة طارئة ولا مكان للجميع.
ويقول الطبيب الفرنسي رافاييل بيتي، الذي كان يقوم بمهمة في جنوب قطاع غزة إن هذا الخروج السريع من المستشفى أمر روتيني.
ويضيف “عندما تلد النساء تأتي أسرهن لاصطحابهن ليخرجن” من المستشفى.
وتشير بعض النسوة إلى أنه طُلب منهن إحضار فرش وأغطية في حال رغبن بالبقاء في المستشفى بعد الولادة.
واضطرت نساء أخريات إلى الولادة في الشوارع على الأرض.
ولا تقتصر المخاوف على الولادة نفسها، بل تتعداها إلى تحديات عدة مثل إبقاء الأطفال على قيد الحياة في ظل الحرمان من المواد الأساسية كالماء والغذاء.
ومنذ اندلاع الحرب، تعاني رؤى السنداوي، الحامل بـ3 توائم، من الدوار بسبب تناولها طعاما معلبا يؤثر على امتصاص الحديد، وفقا لطبيبها.
وتقول السنداوي “20 عاما”: “اضطررت إلى اللجوء إلى التكايا التي توزع الطعام… يوفرون الفاصوليا والعدس والمكرونة”.
الدورة الشهرية معاناة مضاعفة للنساء والفتيات
تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن ما يقرب من 700 ألف امرأة وفتاة في قطاع غزة يعانين من مشاكل العادة الشهرية، ويحاولن إدارتها مع القليل من الخصوصية بسبب قلة الحمامات والمراحيض.
وفي الملاجئ التي تديرها وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل الفلسطينيين “أونروا”، يوجد في المتوسط مرحاض واحد فقط لكل 486 شخصا.
ومن الصعب جدا العثور على الفوط الصحية، لدرجة أن إحدى الفتيات التي تعيش في مدرسة تابعة لوكالة “أونروا” في مخيم المغازي، قالت إنها اضطرت إلى غسل الفوط الصحية المستعملة، حتى تتمكن من استخدامها مرة أخرى، وفقا لتقرير نشرته صحيفة “الغارديان” البريطانية.
وقالت تلك الفتاة إن الفوط الصحية المعاد تدويرها أو الصابون الذي استخدمته لتنظيفها، تسبب لها في تهيج البشرة، مؤكدة أنه لم يكن لديها خيارات أخرى.
من جانبها، حصلت منى على بعض الفوط الصحية من إحدى الجهات الخيرية، لكنها كانت ذات نوعية رديئة لدرجة أنها أصيبت بعدوى أثناء استخدامها، وفق الصحيفة البريطانية.
ثم لجأت إلى استخدام قطع القماش الممزقة، قبل أن تقرر أن تستعمل حاليا المناديل الورقية رغم أن الدم يتسرب منها، ولا تؤدي الغاية المطلوبة بشكل جيد.
وتعيش سارة “27 عاما”، في مصر، لكنها كانت تزور عماتها في شمال قطاع غزة عندما بدأت الحرب، حيث أضحت محاصرة معهن.
وعاشت الشابة فترة الحرب الأولى في وسط مدينة دير البلح، حيث أقامت مع صديقات المدرسة بعد أن انفصلت عن أقاربها أثناء عملية إجلاء محمومة وسريعة.
وتقول: “لقد كافحت من أجل الحصول على فوط صحية، وشعرت بالإهانة الشديدة لأنني لم أتمكن من حيازتها”.
ومع تحرك الحملة الإسرائيلية جنوبا، هربت سارة مرة أخرى إلى رفح، حيث لجأت إلى خيمة لا تحتوي حتى على خدمات الصرف الصحي الأساسية.
وقالت: “لقد كان اقتراب موعد الدورة الشهرية بمثابة كابوس بالنسبة لي.. لا بد لي من مشاركة الحمام مع أكثر من 100 امرأة وطفل”.
وزادت: “لا توجد فوط صحية أو مسكنات للألم في الصيدليات، وجميع المحال والمتاجر كانت مغلقة بسبب نفاد البضائع منها”.
ووفقا للتقرير، فإن النساء والمراهقات يواجهن مصاعب جمة لا تطاق، بسبب الدورة الشهرية، حيث تؤكد إحداهن أن قدوم تلك الأيام أصبح بمثابة “كابوس مخيف”.
وتقول المراهقة منى، البالغة من العمر 17 عاما، إنها كانت في الأيام العادية تتغلب على آلام الدورة الشهرية الشديدة عن طريق إعداد المشروبات الساخنة، ولف نفسها بالبطانيات، وتناول مسكنات الألم.
لكن تلك المراهقة تعيش في الوقت الحالي بمدينة رفح، جنوبي القطاع، حيث يتواجد معها أكثر من 45 شخصا في منزل صغير للغاية.
وتوضح منى أنها لا تستطيع الحصول على الفوط الصحية أو استعمال المراحيض بأريحية، حيث تنتفي الخصوصية بشكل كبير، لافتة إلى أنها تعاني جدا بسبب التقيوء وآلام البطن، بالإضافة إلى مشكلة النزيف.
وتضيف: “في البيت الصغير الذي لجأنا إليه، لا يوجد سوى حمام واحد.. أشعر بالحرج من الانتظار في الطابور أثناء فترة الحيض، وهذا يسبب لي ضائقة نفسية وجسدية”.
وتوضح منى: “لقد خلق القصف الإسرائيلي والتهجير قدرا هائلاً من التوتر، بيد أن تجربة الحيض في هذه الظروف تبدو وكأنها نوع مختلف تماما من آلام الحرب”.
وتقول سارة: “القصف الإسرائيلي مرعب، لكنه يصبح أكثر رعباً في وقت الحيض.. أشعر أن صحتي العقلية تتدهور أكثر بسبب القصف وآلام العادة الشهرية”.