هاشتاغ _ لجين سليمان
دُعيت بمناسبة يوم الطبيعة إلى عمل تطوعي لتنظيف إحدى الغابات السياحية الصينية الواقعة في الجبال، والتي اعتاد أهالي المدينة أن يقضوا فيها عطلتهم الأسبوعية بهدوء وسلام.
وبصفتي رئيسة لاتحاد الطلبة العرب في جامعتي، كان لا بد لي من تلبية هذه الدعوة وذلك لإظهار التزامي وأحقيتي بالقيادة .
كنت أحاول أن أتخيّل شكل تلك الغابات وكمية الأوساخ المتراكمة لا سيما وأن المكان يتحول إلى منتزه للآلاف.
تذكّرت معرض دمشق الدولي، فعند افتتاحه بعد سنوات الحرب اعتقد الأهالي أنه سيكون متنزها وحملوا معهم طعامهم ليتناولوه على المساحات الخضراء والأرصفة، محوّلين المكان إلى مكب من الأوساخ.
كما تذكرت جمعية “حماية البيئة” في بلدتي والتي كانت تختار كل يوم جمعة حيّاً من الأحياء ليقوم مجموعة من الشباب اليافعين بتنظيفه، ما دفع سكان إحدى المناطق للاعتقاد أنّ باستطاعتهم رمي المزيد من الأوساخ خلال أيام الأسبوع، لأنّ هناك من سيقوم بمهمة التنظيف آخر الأسبوع بشكلٍ طوعيّ.
وصلنا إلى المكان الأخضر بأنهاره وبحيراته النظيفة ومساحاته النظيفة والورود المنسّقة بشكل جذّاب.
لم يكن يشبه أي منتزه في سوريا، فعلى الرغم من توزع الأهالي بشكل كثيف حول الأنهار والبحيرات الموجودة، إلا أنهم لم يخلّفوا أية أوساخ، وكلّ عائلة نظّفت ما حولها بشكل كاف، فلم يتبقّ أي شيء لإزالته، ولذلك كلما وجدنا ورقة شجر قديمة كنا نلتقطها وكأننا وجدنا الكنز.
وبينما كنت أعمل بملل وأبحث عما ألتقطه من الأرض، جاء الإعلام والمصورون ليقوموا بتغطية صحفية لهذا اليوم التطوعي، والذي يشارك فيه مجموعة من الطلبة الأجانب، تغيّر انفعالي تماما فبدلا من حالة الملل التي كنت أشعر بها بدأت أتظاهر بالانشغال، لا بل بتّ أوجّه الأوامر “لأبنائي الطلبة” كي يعملوا بجدّ وانتباه أكثر.
انهمكتُ بالعمل فجأة، وكلما اقتربت الكاميرا التلفزيونية أكثر كلما ازداد انهماكي.
في الحقيقة، استعدت بذهني صورة المسؤول السوري الذي يدشّن صنبور المياه معتقدا أنه حرّر الجولان، إلا أنني اليوم أدركت سبب اعتزازه عند تدشين ذاك الصنبور!
إنه “الفراغ”، وقد يكون هناك تشابه في الموقف، فكما أنه لا يوجد ما ألتقطه عن الأرض، إلا أنني كنت أتظاهر بالعمل، كذلك يفعل المسؤول الذي أتى من فراغ، إلى الفراغ، فلا يوجد ما هو مهم للاعتزاز بإنجازه، ولكن أمام الكاميرا لا مجال له إلا بالتمثيل.
قد يكون من الطبيعي ألا نُظهر فراغنا، خاصةً أمام الكاميرا فندّعي العمل، وعندما تذهب نعود إلى حالتنا الطبيعية؛ الفراغ.
هي منظومة الفراغ التي أتينا منها أنا و”زميلي” المسؤول، فأنا لم أكن أفكّر يوما أنني سأنظف غابة في الصين، وقد لا يعنيني كثيرا أن تكون الأراضي الصينية نظيفة بقدر ما أحلم ببلد نظيف ذي شوارع جميلة هناك في سوريا التي أحب.
وهو المسؤول الذي لم يهدف يوما إلى تدشين الصنبور، بل ربما كان يحلم ببناء منظومة ريّ متكاملة للأراضي الزراعية.
إلا أنّ الظرف الذي وُضعتُ فيه، وهو تواجدي في الجغرافية الصينية بعد أن دفعتني “المؤامرة” الكونية إلى الهروب، اضطرني إلى تنظيف غابة صينية.
وكذلك الظرف الذي وُضع فيه ذاك المسؤول، وهو وجوده في فراغ مؤسساتي حيث لا يمكن فعل شيء، دفعه؛ ربما، إلى تدشين صنبور مياه بدلا من منظومة سقاية حديثة.