هاشتاغ–أيهم أسد
تعد مشكلة سعر الصرف التي يعاني منها الاقتصاد السوري منذ منتصف عام 2011 وحتى الآن المشكلة الأبرز والأكثر تأثيراً على باقي المشكلات الاقتصادية الأخرى مثل مشكلة الطاقة ومشكلة الدعم ومشكلة التضخم.
وبالتالي فإن أي إجراء اقتصادي من أي جهة حكومية كانت يخص في جانب من جوانبه سعر الصرف لابد وأن يأخذ بعين الاعتبار حساسية نتائج ذلك الإجراء على باقي مشكلات الاقتصاد الكلي التي ذكرناها سابقاً.
وانطلاقاً من ذلك فإن قرار مصرف سوريا المركزي (القرار 169/م ن) الصادر عن مجلس النقد والتسليف بتاريخ 4/4/ 2023 حول السماح للمصارف المرخص لها بالتعامل بالقطع الأجنبي بتمويل مشروعات تنموية استثمارية بالقطع الأجنبي بموجب الضوابط التي وضعها القرار إنما هو قرار حساس بالمعنى الدقيق للكلمة.
وبغض النظر عن إمكانية تحقق ضوابط القرار من عدمها، وعن قدرة المصارف العاملة والمستثمرين على التعامل مع تفاصيل ذلك القرار فإن حساسيته الاقتصادية تكمن فيما يلي:
يشكل هذا القرار من وجهة نظر الاقتصاد النقدي طلباً وعرضاً على النقد الأجنبي ضمن الظروف الاقتصادية الراهنة المتسمة بعدم الاستقرار الاقتصادي وتعقد مشكلات الاقتصاد الكلي يوماً بعد يوم، وبالتالي فهو طلب وعرض على الليرة السورية في الجهة المقابلة، ونتيجة لذلك هناك توازن جديد لسعر الصرف آتٍ لا محالة عند البدء بتطبيق ذلك القرار (بالإضافة إلى العوامل المؤثرة في توازن سعر الصرف الأخرى) ويتعلق ذلك التوازن بمجموعة كبيرة من الشروط أهمها:
أولاً: حجم المشروعات الاستثمارية معبراً عنها برأس المال المستثمر وخاصة إن كانت تلك المشاريع نوعية جداً.
ثانياً: نوعية المشروعات الاستثمارية التنموية التي لم يحدد القرار طبيعتها وإلى أي من القطاعات الاقتصادية تنتمي؛ هل هي صناعية أو زراعية أو خدمية؟
ثالثاً: نسبة التمويل المتوقعة من التكاليف الاستثمارية، وخاصة أن القرار لم يحدد أي نسبة للتمويل بالقطع الأجنبي، فهل تمول المصارف 100 بالمائة من التكاليف الاستثمارية للمشروع أم هناك نسب أخرى للتمويل خاصة بكل مصرف؟
رابعاً: مدى توافر القطع الأجنبي لدى المصارف المرخص لها بالتعامل بالقطع الأجنبي، أي هل تملك تلك المصارف ما يكفي لتمويل تلك المشروعات بالقطع الأجنبي.
خامساً: مصادر حصول كل من المصارف والمستثمرين على القطع الأجنبي من أجل تمويل أو تسديد القطع الأجنبي، إما في حالة الإقراض من قبل المصارف أو في حالة السداد من قبل المستثمرين.
سادساً: مدى دقة دراسات الجدوى الاقتصادية للمشروعات الاستثمارية، ومدى دقة التدفقات النقدية المتوقعة في تلك الدراسات، وخاصة أن أقل فترة توقع مطلوبة في تلك الدراسات هي خمس سنوات.
سابعاً: مدى قدرة المشروعات المرخصة على التصدير وتحصيل القطع الأجنبي كما ذكر القرار في فقرته (ب)، وخاصة أن التصدير في ظروف الاقتصاد السوري اليوم مسألة معقدة ومرتبط بما هو أبعد من المسائل الاقتصادية البحتة.
ثامناً: نسبة التصدير المتوقعة من منتجات المشروع، فالقرار لم يحدد أي نسبة أو حد أدنى للتصدير كي يمول المشروع بالقطع الأجنبي، وإنما اكتفى بذكر أن يكون للمشروع أنشطة وخدمات اقتصادية تصديرية، الأمر الذي يترك الباب مفتوحاً لكل مشروع في قدرته على التصدير.
تاسعاً: مدى قدرة المشروع على بيع جزء من منتجاته داخل الاقتصاد الوطني بالقطع الأجنبي، وهو ما لا يستطيع فعله، وبالتالي فإن جزء من مبيعاته ستكون بالعملة الوطنية وعليه تسديد القرض بالعملة الأجنبية، أي أنه سيقوم بتحويل الليرة إلى دولار لسداد ما يترتب عليه تجاه المصارف.
عاشراً: عمق السوق غير النظامية للقطع ومدى استغلالها للقرار من حيث إمكانية تأمينها للقطع الأجنبي.
لكل سياسة نتائج، وتوقع نتائج السياسة لا يقل أهمية عن السياسة ذاتها، وسعر الصرف في الاقتصاد السوري اليوم لا ينقصه أي حالة تجريب جديدة، لذلك نأمل أن يكون مصرف سوريا المركزي لديه ما يكفي من توقعات نتائج تلك السياسة على الاقتصاد والمواطن.