هاشتاغ سوريا_ إيفين دوبا
ليست المرة الأولى خلال عهد الأزمة السورية، التي يرتفع فيها سعر الخبز. هذا “الخط الأحمر” الذي ما انفكت الحكومات المتعاقبة خلال تسع سنوات من الحرب السورية، التغني فيه على أنه “محرّم” الاقتراب منه، أصبح اليوم سلعة بيد تجار الأزمات، ومادة يرتفع ثمنها بين الساعة والأخرى في السوق السوداء.
خمسة أسعار مرت على “الخط الأحمر” خلال الأزمة السورية، جرى خلالها تعديلات عدة، سواء ناحية لون الرغيف، أو وزنه، وما لحق بها من قرارات كالبطاقة الذكية، أو حوادث غريبة وشجارات كحادثة الأقفاص أمام أحد أفران دمشق، وتعرض رجل مسن للضرب على كوة إحدى أفران حلب.
ثلاثة ارتفاعات في عهد حكومة الحلقي..
في العامين الأولين من عمر الأزمة السورية، بقي سعر الخبز ثابتاً عند 15 ليرة للربطة الواحدة، البالغ وزنها 1800 غرام، وفيها ثمانية أرغفة من الحجم الكبير المعروف للسوريين.
لتأتي حكومة الحلقي الأولى، في أواخر شهر آب من عام 2013، وترفع سعر ربطة الخبز من 15 إلى 19 ليرة بمعدّل زيادة أربع ليرات.
وبعد أقل من عام – في مطلع تموز من عام 2014- تعود حكومة الحلقي الأولى وترفع سعر الربطة مرّة أخرى من 19 إلى 25 ليرة، وقال وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك حينها، عبد الله الغربي، إن سبب رفع السعر يعود إلى أن الدعم الحكومي للخبز ارتفع من 67 مليار ليرة في عام 2013، إلى 178 مليار في عام 2014، بسبب غلاء الطحين والوقود.
في تشرين الأول من عام 2015، شهد هذا التاريخ أكبر قفزة لسعر الخبز، حيث رفعت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك سعر ربطة الخبز من 25 إلى 50 ليرة، وخفّضت وزنها من 1550 غرام إلى 1300 غرام، ليصبح عدد الأرغفة سبعة بعد أن كان ثمانية، وجاء هذا القرار في إطار سلسلة قرارات ارتفع خلالها ثمن قارورة الغاز من 1600 إلى 1800 وسعر ليتر المازوت من 125 إلى 135 ليرة.
الخبز السوري.. أسمراً!
بعد بدء سريان هذا القرار بأيام، بدأ شكل الخبز يتغيّر بشكلٍ واضح، وبات أسمراً، وسريع الجفاف، بعكس العادة التي جرت أن الخبز السوري كان من أجود أنواع الخبز عالمياً.
لكن المدير العام لشركة المطاحن، زياد بلة، قال في تصريحات لوكالة “سانا” إن التغيير جاء بعد قرار رئاسة مجلس الوزراء برفع نسبة استخراج الطحين من 80 %إلى 95 %، أي طحن جزء من قشرة حبة القمح، لذلك بات من الطبيعي أن يتغير لون الرغيف إلى الأسمر.
حكومة عرنوس والضربة القاضية!
وقبل أقل من شهرين على الحكومة الجديدة كانت الضربة القاضية، عندما رفعت حكومة عرنوس قبل أيام سعر الخبز بنسبة تجاوزت 136% بالنسبة للخبز العادي ورفعت سعر مبيع طن الطحين المدعوم بمبلغ 40 ألف ليرة سورية.
وأعلنت وزارة التموين والتجارة الداخلية السورية سعر بيع كيلوغرام الخبز المدعوم من دون كيس للمستهلك بمبلغ 75 ليرة سورية، وسعر الربطة 1100 جرام ضمن كيس نايلون بـ 100 ليرة سورية، وذلك عند البيع للمعتمدين والمستهلكين من منفذ البيع بالمخبز.
وحددت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، سعر مبيع طن الطحين المدعوم بمبلغ 40 ألف ليرة سورية، مبررةً رفع السعر بـ”التكاليف العالية والصعوبات في تأمين القمح والدقيق نتيجة ظروف الحرب والحصار الجائر المفروض على سورية”.
ومع هذا، لا تزال العديد من أفران الخبز تشهد ازدحاماً هو الأشد في تاريخ البلاد، ويقف المواطن أمام الأفران لأكثر من 12 ساعة في بعض المناطق للحصول على ربطة خبز. ووصل سعر ربطة الخبر التي كانت تباع بـ 50 ليرة قبل الارتفاع الأخير إلى 500 ليرة في السوق السوداء بسبب الازدحام.
يذكر أنه تم رفع سعر البنزين أوكتان 95 إلى 1050 ل. س، وليتر البنزبن المدعوم إلى 450 ل.س بعد أن كان 250 ل.س، والبنزين غير المدعوم من 450 ل. س إلى 650 ل.س.
تبريرات حكومية!
بعد تسريبات عدة، وتهرب حكومي لفترة لا بأس بها، كان القرار الحكومي برفع سعر الخبز، والذي قال عنه، مدير عام المؤسسة السورية للمخابز، زياد هزاع، في تصريح خاص لـ”هاشتاغ سوريا”، بأن الزيادة الحقيقية على سعر الخبز اليوم هي 30%، على اعتبار أن ربطة الخبز سابقاً كانت تباع بوزن 700 أو 800 غرام، وبسعر 50 ليرة. وبالتالي بات لزاماً اليوم بيع الربطة بوزن 1100 غرام، وبسعر 100 ليرة.
في حين، قال مدير المخابز في دمشق، نائل اسمندر، في تصريح خاص لـ”هاشتاغ سوريا”: لا زيادة حقيقية يمكن الحديث عنها؛ حيث أن مبلغ 50 ليرة وسط موجة الغلاء التي تعم البلاد، لا يمكن أن تؤثر على ميزانية المواطن، والتي تضمن أن يحصل في النهاية على خبز بالجودة المطلوبة.
الزيادة تضمن تأمين الحبوب.. وبجودة!
هذه الجودة للرغيف، والتي ما انفكت الجهات المعنية تتحدث عنها وتتوعد من يهددها، قال بخصوصها، مدير الحبوب، يوسف قاسم: “إن المؤسسة ملزمة بتأمين المادة بالجودة المطلوبة، وبالسعر المحدد”. لافتاً إلى أن “هذه الزيادة من الممكن أن تسهم بتوفير المادة عبر تأمين التكاليف التي تحتاجها”. بمعنى أن الزيادة في أسعار الخبز والطحين، حسب قوله، ستسهم حكماً في توفير ما يلزم لتأمين الحبوب، وستكون عامل أمان.
دعم لا يفيد!
خبير في الاقتصاد، رفض ذكر اسمه، كونه يشغل منصباً حكومياً، قال في تصريح خاص لـ”هاشتاغ سوريا”: إن كل القرارات الماضية التي عملت على إصدارها الحكومة خاطئة سواء فيما يتعلق برفع سعر الخبز، أو حتى المازوت والبنزين.
وشرح الخبير الاقتصادي وجهة نظره، بالقول: لا يوجد في اقتصاد أي من الدول، حكومة ترفع سعر أي من المحروقات مرتين خلال أقل من شهر، ولا يوجد أيضاً دولة واحدة، ترفع سعر الخبز، ومن ثم تترك رجل كبير في السن يتعرض للضرب على أحد أفرانها، وتترك المسبب دون قصاص!
أزمات على الطريق!
على الرغم من التصريحات الحكومية التي كانت تعد بانتهاء أزمة الوقوف على الأفران من أجل الحصول على الخبز، إلا أن واقع الحال يقول عكس ذلك، وفي استطلاع بسيط على بعض الأفران يمكن ملاحظة وجود الازدحام نفسه، وهو ما قال عنه الخبير الاقتصادي: “لا معالجة واضحة من ارتفاع سعر الخبز، كما تقول الحكومة، لا بل ربما العكس، سيكون القادم أصعب، والأيام القادمة ستثبت ذلك”.
ولفت الخبير، إلى أن الحكومة لم تعالج مشكلة، بل أضافت واحدة إلى قائمة المشكلات التي ربما ستنفجر خلال الموسم القادم من فصل الشتاء، وعلى رأسها أزمة الكهرباء، والمحروقات الخاصة بالتدفئة.
وكان الأولى بالحكومة، حسب رأيه، أن ترفع الدعم كله عن تلك المواد، ومن ثم تدرس السوق جيداً، لتلبية حاجات الفقراء الذين ازدادوا فقراً، لا أن تساوي بين جميع أطياف الشعب، حيث لا يمكن مقارنة من يحتاج إلى أربع ربطات خبز يومياً كغذاء أساسي لعائلته، وبين من ينتظر الجيل الجديد من آيفون، والذي وصل سعره إلى أرقام ربما لا يمكن لذلك الواقف في “طابور” على فرن أن يعدها!!