500 مسحة في اليوم يفوق بعشرة أضعاف إمكانياتنا
هاشتاغ سوريا – خاص
“خسرتُ ما يقارب مبلغ المليون ونصف المليون ليرة سورية ما بين تذكرة سفر وقيمة التحليل. كما خسرت إقامتي في دولة الكويت، وحالياً أنا في حجر منزلي خوفاً من أن أكون التقطت العدوى بفيروس كورونا نتيجة الازدحام الشديد في مركز تسليم النتائج”.
بهذه الكلمات، عبّر أحد المواطنين السوريين، عن خيبة أمله بالسلطات الصحية السورية، بعد فشله في الحصول على نتيجة مسحته “PCR” الخاصة بالكشف عن فيروس كورونا في الوقت المحدد، والتي تعتبر شرطاً أساسياً لمغادرته الأراضي السورية عبر مطار بيروت ودخوله دولة الإقامة.
وحال هذا المواطن، الذي رفض الكشف عن اسمه، خوفاً من تبعات هذا الموضوع لاحقاً، مكتفياً بانتظار أن تمنحه دولة الإقامة تمديداً لإقامته، هو حال كثر من السوريين الراغبين بالسفر أو المقيمين في الخارج وهم حالياً في سورية، والذين تكبدوا خسارات مالية وصلت لدى بعض الأسر (5 أفراد) إلى ما يقارب 7 ملايين ليرة سورية كونهم لم يحصلوا على نتائج المسحات الخاصة بهم في الوقت المحدد للسفر، رغم التزامهم بكل الإجراءات التي حددتها وزارة الصحة لإجراء هذا الاختبار من حجز تذكرة سفر، ودفع قيمة الاختبار ما يعادل 100 دولار بالليرة السورية، وإجراء المسحة في أحد المراكز المعتمدة في دمشق.
& أين المشكلة إذاً؟
مدير مخابر الصحة العامة في وزارة الصحة، الدكتور شبلي الخوري، قال في اتصال هاتفي مع “هاشتاغ سوريا”: إن المشكلة هي “في عدد المسحات التي وصلتهم، والتي تجاوزت الـ 2000 مسحة خلال أربعة أيام، هي فترة عيد الأضحى، بمعدل 400-500 مسحة في اليوم الواحد، وهو ما يفوق بعشرة أضعاف إمكانياتنا وطاقتنا”.
مضيفاً “وزارة الصحة سألتنا وقبل اعتماد أربعة مراكز للتحليل ولاحقاً أربعة جديدة، عن استطاعتنا وصارحناهم بأننا لا يمكن أن نجري في اليوم الواحد أكثر من 30-40 تحليل كحد أقصى”. مؤكداً “لو التزمنا بما كان متفق عليه من عدد التحاليل في اليوم الواحد لما كان الحال وصل الى ما وصل اليه، من فوضى، وازدحام، وتأخير في تسليم النتائج”.
علماً أن مديرية مخابر الصحة العامة، الجهة التي حصرت الوزارة بها إعطاء نتائج الاختبار، وضعت تعميماً بأن تسليم النتيجة يتم خلال مدة أقصاها 48 ساعة. في وقت، مرت 50 ساعة على بعض المسحات ولم تكن قد دخلت التحليل الذي يستغرق ست ساعات.
وهنا، يوضح الدكتور شبلي أن “30-40% من المسافرين الذين أجروا التحليل لم يحصلوا على نتائج المسحات الخاصة بهم في الوقت المحدد، وخسروا بالتالي فرصتهم في السفر، وفي بعض الحالات تجاوزوا مدة الإقامة، وثمن تذكرة الطائرة، وقيمة الاختبار ما يعادل بالليرة السورية (100 دولار)”. معبّراً عن تعاطفه الشديد مع ظروفهم، ولكن “أمام الضغط الكبير لم يكن باليد حيلة” حسب تعبيره. مضيفاً ” “أصبح المخبر بسبب الفوضى مثل جهاز المرور أو أية مؤسسة خدمية أخرى وليس جهازاً طبياً.. الأمور خرجت عن السيطرة، وخاصة خلال فترة عيد الأضحى”.
& مساومة وابتزاز
الدكتور شبلي الخوري، كشف تعرض مديرية المخابر، التي تعطي النتائج مكتوبة بخط اليد، لعمليات ابتزاز ومساومة ورشاوى لتغيير نتيجة الاختبار من إيجابية إلى سلبية. يقول: “أحد المسافرين قال لي بالحرف الواحد أعطيك 200 ألف وأعطني تحليل نتيجته سلبية، وآخرون عرضوا مبالغ أكبر”. وأضاف “الأمور ذهبت أبعد من ذلك، حين حاولت إحدى المسافرات وهي مواطنة سورية تقيم في دولة أجنبية، التلاعب بنتيجة الاختبار الإيجابية عبر إحضار امرأة أخرى في اليوم التالي انتحلت شخصيتها وأجرت تحليلاً جديداً، وحين كشفنا الأمر اتهمتنا بالتزوير، فقمنا بتحرير محضر، والوثائق والتسجيلات موجودة. وكذلك اقترح أحد المسافرين أن يزور تحليل بنتيجة سلبية لئلا “تروح عليه السفرة” حسب قوله، وأقوم أنا بوضع الختم عليها ما اضطرني إلى إقفال مكتبي وإخفاء الختم في مكان آمن”. مؤكداً في هذا السياق أن “مصداقية جميع النتائج التي صدرت عن مديرية المخابر العامة في وزارة الصحة هي مئة بالمئة، ولم يتم التلاعب بها، وعلى مسؤوليتي الشخصية. كما قمت بتزويد معاون وزير الصحة بلوائح بالأسماء ونتائج مسحاتها بشكل يومي”.
& الحل
الضغط الكبير والفوضى والتأخير، يأتيان بحسب الدكتور الخوري “نتيجة العمل اليدوي وليس الالكتروني، حيث تسلم النتائج مكتوبة بخط اليد، مع غياب آلية واضحة لتنظيم الدور، وعدم وجود جهاز استخلاص آلي، أضف إلى ذلك حصر مراكز التحليل وعددها ثمانية بمحافظة دمشق فقط”.
وهنا، يقترح، أن الآلية المناسبة للحد من الفوضى والازدحام، وضمان تسليم النتائج في الوقت المحدد، تتمثل كمرحلة أولى في “الإقلال من عدد المسحات المأخوذة يومياً، ووضع برنامج إلكتروني بين مديرية المخابر كجهة تجري الاختبار وتسلّم النتائج، وبين مراكز التحليل التي تؤخذ فيها المسحات، بحيث يحصل صاحب المسحة على رقم في المركز، وتصلنا المسحات مع الأسماء والأرقام، ويتم تسليم النتائج بحسب هذه الأرقام. ومن مزايا هذا البرنامج الآلي عدم إمكانية التغيير في الإسم أو النتيجة”.
والأهم هو “توفير جهاز استخلاص آلي للنتائج استطاعته 50 عينة في الساعة، مقارنة بالجهاز اليدوي الذي نعمل وفقه الآن، والذي لا يعطي أكثر من 60 تحليلاً باليوم”.
مؤكداً “توافر كيتات للتحليل ولكن المستهلكات قليلة، وبسبب الضغط الشديد لم يتسن لنا أن نجرد ما لدينا”. وكشف في هذا الإطار، أن منظمة الصحة العالمية زودت وزارة الصحة السورية بجهاز تحليل صغير استطاعته 12 تحليل بالساعة، لكن “لم نحصل حتى الساعة على المستهلكات الخاصة بالجهاز لاستخدامه”.
& لا حجر إجباري
نسبة التحاليل الإيجابية من إجمالي المسحات التي أجريت في المخابر العامة لوزارة الصحة للمسافرين بلغت بحسب الدكتور الخوري (10%)
مؤكداً أن من تأكدت إصابته بالفيروس، وحصل على نتيجة اختبار إيجابية لا يخضع للحجر الإجباري، فقط يستلم نتيجته، ويُطلب منه حجر نفسه ذاتياً لمدة 14 يوماً، وذلك وفقاً لتوصيات منظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة.
& قصة قصيرة
قبل موعد الطائرة المحدد يوم السبت، قصدت مركز كفرسوسة، صباح يوم الخميس، على أن أستلم النتيجة مساء يوم الجمعة، باعتبار أن دولة الإقامة لا تعترف بنتيجة التحليل بعد مرور 48 ساعة على إجرائه، وباعتباري سأغادر عبر مطار بيروت وهذا سيستغرق مزيداً من الوقت.
في مركز التحليل، وقبل أخذ المسحة، أبرزت تذكرة الطائرة، وحصلت على وصل دفع بقيمة الاختبار مبلغ 126 ألف ليرة سورية (ماد يعادل 100 دولار) في المصرف المركزي. ثم عدت إلى المركز وأجريت المسحة. أخبروني بأن استلام النتائج حصراً في مخبر الغساني (مديرية المخابر في وزارة الصحة).
ذهبت في الموعد المحدد لاستلام النتيجة، مساء الجمعة، وشاهدت الفوضى والصراخ والازدحام وعدم التزام معظم أصحاب المسحات من المسافرين بارتداء الكمامة. وبعد كل ذلك لم أحصل على النتيجة، وتخلّفت عن موعد الطائرة، وخسرت كل المبالغ المالية التي دفعتها ثمن للتذكرة 1300 ألف ليرة سورية وقيمة الاختبار، كما خسرت إقامتي في دولة الكويت، التي أغلقت لاحقاً مطارها. ولكن، ربما حصلت على عدوى بفيروس كورونا.