هاشتاغ _ رنيم خلوف
يعمد مزارعون في ريف دمشق على ري أراضيهم الزراعية بمياه الصرف الصحي لأسباب متعددة؛ منها قلة مصادر المياه وشح مصادر الطاقة اللازمة لتشغيل الآبار، بحسب ما يقوله فلاحون ومسؤولون حكوميون، على الرغم من مخاطرها على صحة الإنسان.
وللتأكد من مستوى تلوث الخضار، حللنا عينات من مناطق زراعية بالغوطة الشرقية في مخبر حكومي، حيث أثبتت نتائج التحليل تلوثها نتيجة السقاية بمياه الصرف الصحي.
في السياق ذاته، عُرضت نتائج التحاليل على اختصاصية علوم وسلامة الغذاء والتقانة الحيوية، د. شيم سليمان، لتفسير آثارها على الصحة.
الرصاص.. ألف مرة فوق الحد المسموح
كشفت نتائج تحليل عينات البقدونس والسلق أن تراكيز الرصاص (PB) تجاوزت بحوالي 1000 مرة بالنسبة للخضار الورقية الحد الأقصى المسموح الذي توصي به منظمة الأغذية والزراعة ومنظمة الصحة العالمية (FAO/ WHO).
وهنا، ذكرت د.سليمان أن محتوى الرصاص في العينات المحللة سجل تركيزاً بحدود 300 ملغ/كغ في عينات البقدونس، و250 ملغ/كغ في عينات السلق، وهذه التراكيز تجاوزت بحوالي 1000 مرة الحد الأقصى المسموح به للرصاص الذي توصي به منظمتا الأغذية والزراعة والصحة العالميتان في الخضار وهو 0.3 ملغ/كغ.
وقالت د.سليمان “إن الرصاص هو أحد الملوثات البيئية شديدة السمية، والتي يمكن أن تشكل مركبات معقدة مع جزيئات حيوية مختلفة وتؤثر سلباً على وظائفها”.
وقد يكون للرصاص تأثير سلبي على الدم، والجهاز العصبي، والجهاز المناعي، والكلوي، والهيكل العظمي، والعضلي، والتناسلي، والقلب والأوعية الدموية، مما يتسبب في ضعف في تنسيق العضلات، وفي أعراض على الجهاز الهضمي، وتلف الدماغ والكلى، وضعف السمع والبصر، وعيوب الإنجاب.
ويرتبط التعرض للرصاص في مرحلة الطفولة المبكرة وقبل الولادة بتباطؤ النمو المعرفي ونقص في القدرة على التعلم، والعديد من التأثيرات الأخرى، بحسب الطبيبة سليمان.
الكادميوم
أما بالنسبة لمعدن الكادميوم (CD)، فقد تجاوزت تراكيزه بحوالي 45 مرة و20 مرة (بالنسبة للخضار الورقية: البقدونس والسلق على الترتيب) الحد الأقصى المسموح والموصى به من قبل منظمتي “FAO” و”WHO”، وهو 0.2 ملغ/كغ.
وتباينت تراكيز الكادميوم بين 9 ملغ/كغ في عينات البقدونس، و4 ملغ/كغ في عينات السلق.
وهذه التراكيز تجاوزت بحوالي 45 مرة و20 مرة (بالنسبة للخضار الورقية، البقدونس والسلق على الترتيب) الحد الأقصى المسموح وفق منظمتي “FAO” و”WHO”، للكادميوم في الخضار، وهو 0.2 ملغ/كغ.
وقالت الطبيبة سليمان: “المستويات العالية من الكادميوم لها تأثير سام خطير على صحة الإنسان؛ إذ تعتبر الكلى هي العضو المستهدف الحاسم عند الأشخاص المعرضين”.
ويكون إطراح الكادميوم بطيئاً جداً، ويتراكم في الكليتين عند الإنسان لفترة طويلة نسبياً، ما يؤدي إلى ضعف مديد في الجهاز الكلوي.
يتسبّب الكادميوم بتراكيز عالية بتأثيرات خطيرة على الكبد والأوعية الدموية والجهاز المناعي، وفقاً للطبيبة سليمان.
الكروم
فيما يخص معدن الكروم (CR)، أظهرت التحليلات أن التراكيز تجاوزت بحوالي 35 مرة و20 مرة (بالنسبة البقدونس والسلق على الترتيب) الحد الأقصى المسموح به لمنظمة الأغذية والزراعة ومنظمة الصحة العالمية، للكروم في الخضار وهو 2.3 ملغ/كغ.
وبحسب نتائج التحليل، ذكرت المتخصصة سليمان أن تراكيز الكروم تباينت بين 80 ملغ/كغ في عينات البقدونس، لتنخفض إلى النصف تقريباً في عينات السلق 40 ملغ/كغ.
ويعد معدن الكروم (CR) من المعادن الضرورية بكميات معتدلة من أجل مسار سليم للعمليات الحيوية الفيزيولوجية في جسم الإنسان، ويجب توفيرها للكائن الحي بكميات مناسبة، لكن الاستهلاك المفرط له مع الطعام يؤدي إلى هيبوغلايسيميا hypoglycemia (هبوط سكر الدم) وآثار على الجهاز الهضمي، كذلك فإن زيادة استهلاكه يؤثر على الكبد والكلى والأعصاب، ما قد يؤدي إلى عدم انتظام ضربات القلب، كما توضح د.سليمان.
أمراض متعددة
يشرح الدكتور بشار شعاع، المتخصص في الأمراض الداخلية والإنتانية، أثر السقاية بالمياه الملوثة على الصحة العامة، حيث أكد أن السقاية بمياه ملوثة، وبالتالي تناول خضروات ملوثة، هو سبب لأمراض متعددة منها الكوليرا، الإسهال، التهاب الكبد، الايكولاي، الزحار، والتهاب الدماغ.
ويشير د.شعاع إلى أنه حتى اللحظة لا توجد إحصائيات أو دراسات في سوريا حول نسب الإصابة بالسرطانات الناجمة عن تناول خضار ملوثة ومسقية بالصرف الصحي.
مصادر الري
ذكر مدير الموارد المائية في دمشق وريفها، زياد الخطيب لموقع “هاشتاغ” أن مصادر المياه الأساسية في ريف دمشق هي نهر بردى وفروعه، نهر الأعوج وفروعه، والينابيع الدائمة الجريان والموسمية، والآبار المرخصة، والمياه المعالجة في محطة الصرف الصحي بعدرا.
وبيّن الخطيب، أن مياه نهر بردى تصل حالياً إلى الحقول الزراعية في أراضي بالا، المليحة، عربين، عين ترما، جسرين، زبدين، وكفر بطنا.
في حين أشار فلاحون إلى وصولها لكن بكميات قليلة جداً، ما أدى إلى الاعتماد على مياه الصرف الصحي حسب تصريحاتهم.
وأوضح الخطيب أن المياه المعالجة تذهب حالياً باتجاه القناة الحاملة الأولى (pc1)، لإرواء مناطق حوش نصري، حوش الفارة، ميدعا، وزريقية، وتستخدم لإرواء القمح والشعير والمحاصيل العلفية، ولا يسمح بسقاية الخضروات والفواكه.
وتابع، هناك مخالفات واضحة تتلفها الجهات المعنية قدر المستطاع.
من جهته، أكد مدير الزراعة في ريف دمشق عرفان زيادة أحقية شكوى الفلاحين حول نقص المياه وقلة مصادر الطاقة اللازمة لتشغيل الآبار، مشيرًا إلى اعتماد آلية البطاقة الكرتونية لهذا الموسم لتوزيع “المازوت” الزراعي وفق الخطة الزراعية (سقاية وفلاحة)، والتنظيم الزراعي لكافة المحاصيل والخضار والأشجار المثمرة، ضماناً لدعم وحصول الفلاحين على مخصصاتهم.
نقص في المياه ومصادر الطاقة..
في حين، عدّ رئيس اتحاد الفلاحين في دمشق وريفها أنس المصري، أن المحروقات، لا تتجاوز 10 لترات لكل دونم (1000 متر مربع)، وهي غير كافية لتشغيل الآبار وسقاية المحاصيل.
وقال المصري: “إن الفلاح يعاني من ضعف مياه نهر بردى، من خلال وجود بعض التعديات عليها من قبل بعض الأرياف التي تقع على طرف النهر، ولذلك يصعب وصول المياه كاملةً إلى المليحة وزبدين ودير العصافير، وتعطي الجهات المعنية كل فلاح 10 لترات مازوت للدونم الواحد، وهو بحاجة إلى “برميل” (يحتوي 159 ليترًا)”. معلاً السبب بأن التربة في ريف دمشق رملية، وتحتاج لمياه كثيرة.
وبرر مدير الزراعة، عرفان زيادة، سقاية الفلاحين بمياه الصرف الصحي بعدم توفر مصدر مياه أو شح المياه بمناطقهم؛ علاوةً على سهولة تحويل سواقي الصرف الصحي لأراضي الفلاحين كونها مكشوفة، وتقع بالقرب من أراضيهم، والنقطة الأهم تعود لنقص الوعي لدى الفلاحين بمدى خطورة السقاية على التربة والمزروعات، رغم كل المحاولات التوعوية والإجراءات الصارمة للحد من السقاية بالمياه الآسنة.
كما يشدد على أن المزروعات الملوثة تعد من أهم مصادر الإصابة بالكوليرا والعدوى بها وغيرها من الأمراض، وخاصة الخضار التي تؤكل نيئة.
وأعلنت مديرية زراعة ريف دمشق خلال السنوات الماضية عن تنظيم ضبوط بحق من يروي أرضه بمياه الصرف الصحي في قطنا ودوما والتل والقطيفة، وداريا، وغيرها.
http://لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام