تزامنا مع انعقاد مجلس الشعب لمناقشة بندبن فقط: الأسعار وقيمة صرف الدولار، فإن الجدية التي ظهرت لمواجهة التحدي الاقتصادي لم تنعكس على التصورات العامة للمواطنين، وهو ما عكسته وسائل التواصل الاجتماعي التي تنبأت سلفا بحالة مشابة لاجتماعات المجلس؛ لم تقدم أي حل جدي للمشاكل المتفاقمة منذ اندلاع الأزمة السورية.
وبغض النظر عن مسألة سعر الصرف الذي يُعتبر محرك ارتفاع الأسعار فمن المفيد قراءة التدهور خلال عام فقط، وهي مسألة تم تعليقها على الفساد أو الحصار وفي تجاهل واضح للبحث في مسألة “الممكنات” المتوفرة، أو حتى قراءة قدرة المؤسسات الحكومية على إدارة الأزمة الافتصادية التي تشكل حالة تراكمية يصعب التنبوء بتأثيراتها العامة حتى على القرار السياسي وليس فقط على مساحة حياة المواطن، والمثال الأولي يمكن أن نطرحه على مستوى “النقل العام” الذي يستهلك الجزء الأكبر من دخول المواطنين، وهذا المثال أساسي لحركة الإنتاج التي باتت مرهونة بارتفاع أجور النقل العام:
تطور ارتفاع أجور النقل العام خلال عامين
عمليا فإن قراءة الاقتصاد السوري ربما لا تحتاج لاجتماع مجلس الشعب، فالدراسات التي تتابع هذا الموضوع بدء من البنك الدولي ووصولا إلى الصحف المحلية تعطينا الكثير من البيانات أو النقد أو غيرها من المسائل، وربما من الغريب أن المجلس بقي يراقب القرارات الحكومية طوال الأزمة دون أي تحرك جاد ليس للمحاسبة بل لفرض “شفافية” في مبررات القرارات الاقتصادية، ومهما كانت نتيجة الاجتماع في مجلس الشعب فمن المهم تسجيل ملاحظتين:
-الأولى إدخال مسألة صرف الدولار في مساحة جديدة بعد أن كانت حكرا على تصريحات البنك المركزي السوري، ورغم أنه من المستعبد أن يقوم مجلس الشعب بإحداث فارق في مسألة سعر الصرف، لكن هذا الموضوع على المستوى الرسمي بات جزء من الاعتراف بالأزمة ككل.
مسألة الليرة السورية كانت دائما ضمن دائرة “القرار السياسي”، والتصريحات منذ بداية الأزمة توجهت نحو العوامل الخارجية وفي كثير من الأحيان كان هناك إنكار لمسألة تدهور سعر صرف الليرة السورية، بينما يتم اليوم ربطها في نقاش واحد مع مسألة الأسعار، فهناك “سلة أزمات” يجب الاعتراف بها حتى نستطيع الوصول إلى نقطة معالجة واقعية.
-الملاحظة الثانية متعلقة بمسألة الانفراجات السياسية التي بدأت قبل أشهر وانتهت باسترجاع دمشق لمقعدها في الجامعة العربية، ومن المؤكد أن مجلس الشعب غير معني بهذا الأمر في جلسته الحالية، لكن الأسئلة المطروحة حول جدوى هذه “الاتفراجات” تحتاج أيضا لشفافية سياسية.
ربما يعرف المختصون أن كل التحركات السياسية لم تكن قادرة على فتح منافذ اقتصادية، فالمسألة ليست في دبلوماسية خفض التوتر التي اتبعتها الجامعة وأعادت دمشق إلى مقعدها، إنما في حركة الانتاج المعطبة التي تحتاج لحلول منفصلة عن الأحلام الكبيرة، فسوريا كانت منتجة قبل اكتشاف النفط في الجزيرة، وعلاقات الإنتاج لما بعد الأزمة يهرب الجميع من التعامل معها لأنها تملك تأثيرات وتداعيات على الكثير من مظاهر الدولة.
اجتماع مجلس الشعب ليس حدثا بقدر كونه مناسبة لقراءة الملف الاقتصادي مع الاعتراف بأن “بنية الإنتاج” هي المهترئة وليست الإجراءات الخارجية فقط مثل الحصار وقانون قيصر، فقلق المعيشة في سورية هو السؤال الرئيس للمرحلة القادمة.