هاشتاغ-زياد شعبو
“نحن في أفريقيا تظل كرة القدم في أزقتنا وساحاتنا الشعبية لعبة، نلعبها بقواعدنا وليس بقواعد الزمن الحديث، ولهذا تظل أفريقيا تمنح أبناءها إلى أوروبا لكي يملؤوا فراغ اللعبة التي يطلقون عليها هناك “رياضة”.
هذا ما يقوله الكاتب محمود العدوي في كتاب بعنوان “إحدى عشرة قدماً سوداء”. ويضيف:اسسوا اندية من عمال المناجم، ومن مريدي المقاهي، ومن القبائل، ومن طلبة المدارس، ومن رهبان الإرساليات، ومن عمال الترام، ومن سائقي السيارات، ومن الفلاحين، وصيادي السمك، وعمال مصانع الإسمنت، والمنبوذين، والمرضى، لم يتركوا أية فئة كان يأكلها اليأس من عدم لعب الكرة، إلا وقاموا بمنحهم كرة يلعبون بها، وكأساً يتنافسون عليها.
لعلها اقتباسات عاطفية عن عالم مثير يشبه أي بدايات معتادة إنسانياً، لكنها في الواقع تقديم عن تاريخ حقيقي للعبة كرة القدم الأفريقية ونشأتها في أشنع حقب الاستعمار الذي سرق الذهب والمعادن وكل خيرات القارة السمراء واستعبد أجيالاً من سكانها.
وبعيداً عن الاقتباسات، تعتبر كرة القدم الأفريقية منجم خام للمواهب الكروية بفضل ميزات جسدية بدنية متميزة مترافقة مع بيئة اقتصادية وجغرافية تدمج مفاهيم التحدي وأسلوب التعبير النفسية عن الفرح برقصات أفريقية تتناقلها الجينات جيلا إثر جيل، ما أكسب اللاعب الأفريقي مرونةً عالية وقدرة على التحمل مع قدرات بدنية هائلة جعلت من هذه اللعبة جواز سفر نحو مستقبل كبير.
من جورج ويا وديديه دروغبا إلى ساديو ماني ومحمد صلاح والكثير من الأسماء التي حضرت وأدهشت بما قدمت لعالم كرة القدم ولشعوبها التعيسة وعوائلها الفقيرة.
كلها مواهب خرجت من ملاعب ترابية وأقدام حافية، نحو العالمية وكرة القدم المحترفة، وما زالت أوروبا وغيرها من منتخبات الصفوة الكروية تقنص المواهب الأفريقية وتمنح الجنسية لكل لاعب يسطع نجمه.
فعلى سبيل المثال في السنغال تستثمر الأندية الفرنسية أكاديميات محلية وتدعمها مالياً ولوجستياً بالمعدات والتجهيزات، بهدف تجميع المواهب ومراقبتها وتصديرها لاحقاً نحو ملاعب أوروبا، كما يفعل نادي “ميتز” الفرنسي على سبيل المثال، والذي صدّر في الأربع سنوات الماضية أكثر من 12 موهبة كروية بارزة مثل ماني والمدافع خاليدو كوليبالي وغيرهم، فيما أغلب لاعبي السنغال يحمل جنسية فرنسية وسنغالية، حيث ما زالت تعامل كرة القدم الأفريقية معاملة مناجم الذهب، وكذلك مع الدوري الإنكليزي الممتاز، إذ وفقا لإحصائية تعود لموسم 2021، ينتشر 46 لاعباً افريقياً في أندية البريميرليغ، مقابل 17 لاعباً من البرازيل والأرجنتين .
ورغم انتشار اللاعب الأفريقي المجنس في أغلب منتخبات أوروبا إلا أن هذا لم يوثر على ظهور منتخبات أفريقيا في كأس العالم بأغلب الفئات العمرية، ولا ينقص فرق القارة السمراء سوى الحظ والثقة بالنفس ومشروع فني متكامل لتنال الألقاب العالمية رغم ما يعانيه اللاعب الأفريقي من عنصرية الجماهير ومحدودية رغبته، إلا أنه ما زال بسمة أفريقيا وشعوبها التعيسة.
واليوم، تقترب أفريقيا أكثر فأكثر من تحقيق الحلم في المستقبل القريب بعد قرار الفيفا برفع حصة أفريقيا إلى تسعة مقاعد ونصف تتأهل في كأس العالم بدلاً من خمسة منتخبات في النسخ الماضية.