هاشتاغ-نضال الخضري
لحرب غزة صورة مخفية لا يمكنها العبور رغم كل الأصوات التي تعلو، فهي تتوارى خلف ملامح الدمار والموت، وتبقى في الظل خلال المظاهرات في كل العواصم، فمسألة الرأي العام لا يمكن أن تكشفها لأنها جزء من مشهد العالم بعد الحرب العالمية الثانية التي نسيتها الأجيال أو أصبحت مجرد رواية تاريخية.
فـ”إسرائيل” ليست دولة احتلال في منظر النظام الدولي لأنها عبارة عن توازن قررته الدول التي انتصرت في حرب دفع العالم ثمنها غاليا.
الصورة المخفية تبدو في أن “إسرائيل” نموذجا داخل الشرق الأوسط الذي يشكل لأطراف العالم في الغرب “الآخر”، أو العالم الثالث الذي لا ينقصه التنمية أو الثقافة بل هو “العزلة” التي كونت التصور السياسي الغربي عن “الآخر” الذي يحمل ثقافة أرهقتها قرون طويلة، أو أنها “عقدة” الظهور الأول للبشرية على مسرح التاريخ.
ظهرت “إسرائيل” بقرار دولي في تكوين شرقي المتوسط، ولكنها ثقافيا كان لها شكل آخر جعلها جزء من تصفية زمن الحروب في النصف الأول من القرن العشرين، ثم كانت أزمة “الشرق الأوسط” معضلة أو ربما بوابة للملمة التناقضات في بقعة جغرافية تكون بالمعنى السياسي خط التناقض التاريخي بين عالمين: الأول يريد منطقة تمثل نهاية عالم مرهق من حربين، والآخر يتطلع لوجوده خارج “التنميط” الذي خلقته أوروبا ومن بعدها الولايات المتحدة.
أقرأ المزيد: وهم لصور الحرب
قدمت حرب غزة الحالية صورة للاستماتة في فرض النموذج عبر “إسرائيل”، فليس هناك انحياز غربي إنما التماهي في التصور الغربي مع نتيجة أساسية للحرب العالمية الثانية التي بدلت العالم، فمظاهرات التنديد لن تبدل الكثير، والمجازر التي ترتكبها “إسرائيل” هي لأسباب أخلاقية ارتكبتها “حماس” وفق التصور الغربي، والحرب في النهاية هي ضد التصورات الغربية وليس مقاومة الاحتلال.
أقرأ المزيد: تلوينات على الجسد السوري
من الصعوبة فهم معادلة الانتصار والهزيمة مع “إسرائيل” فهي مختلطة مع عالم شهد صعود “الصهونية” ليس كحركة عنصرية إنما كانتهاء لمرحلة “الغيتو” اليهودي الذي ميز العصور الوسطى، وبهذا الفهم ظهر الخلط في صراعنا أو حتى في معركتنا المستمرة منذ عام 1948، فالمظاهرات في الغرب اعتراض على “المشهد” وليست رأيا عاما يعيد التصور تجاه صراع استهلك أجيالنا طوال العقود الماضية.
في بداية “طوفان الأقصى” كانت الصورة المعنوية أقوى من التفكير العميق بما تحمله الأيام، أو بجذور التناقض الذي أوجد “إسرائيل”، لكنها ووسط الموت المزروع بغزة دفعت كل المظاهر التي أوجدت الصراع إلى العلن، وكتبت كل ما أردنا تناسيه أمام أعيننا من جديد، فنحن نسجل الاعتراض والغضب والجدل أو الصراع السياسي على مساحة محسومة داخل البنية السياسة الغربية.
نلملم مآسينا اليوم ونبحث في كل الزوايا عن رؤية مختلفة تجعلنا في مساحة تجعلنا قادرين على البقاء، وعلى تحمل حصار الموت والقلق، فقصتنا مع الاحتلال هي في النهاية بناء لوجودنا من جديد.