هاشتاغ_نضال الخضري
علينا أن نفرح رغم مساحة “التوحش” التي غطت الأشهر الأخيرة من هذا العام، فعندما حصد الموت أطفال غزة بقيت الذاكرة حية لشكل “المدن الشهيدة”، فنحن على مسافة واحدة من “بيت لحم”، وليس علينا انتظار آلام المسيح فهي قادمة، إنما ننظر لأشكال الخصب التي رافقت الميلاد فوسمت فلسطين بلون لا يمكن تبديله، وضعتنا في ذروة التاريخ وربما في المستقبل الذي يتبدل على إيقاع ثقافة ولدت في بيت لحم قبل أن تنتقل في الاتجاهات الأربع لهذا العالم.
ربما يحمل الفرح غصة وصعوبة جعل احتفالات الميلاد بعيدة عن التشوه الذي رسمته حرب غزة، ومحاولات اقتلاع التنوع التي بدأت قبل طوفان الأقصى بسنوات وطالت كل المدن السورية؛ قبل أن تصل إلى الحالة القاتمة التي هبطت علينا مع نهاية العام، لكن مفارقة الميلاد أنه وعد ولادة متجدد، وصورة فرح لدفع الناجين نحو صناعة الحياة، فهو عمق التاريخ الذي فاجأنا دائما بقدرته على سحق كل جميل، وفي نفس الوقت على رسم ولادة فرح أو بسمة طفل جريح.
أقرأ المزيد: الصمت المرعب
قضيتنا ربما لم تكن في غزة، فهي سردية تراثية عن الموت والولادة ورغبة الجميع في رسم الحياة بتفاصيلها القاسية أو الجميلة، وقضيتنا أيضا أننا لا نريد اعتياد “الوحشية” التي بدأت قبل تأسيس “إسرائيل” بزمن طويل، فهي ضريبة الجغرافية التي احتضنت بيت لحم ودمشق وحلب وغيرها من المدن التي عبرت من خلالها تصورات العالم، وهي منسية اليوم وسط عجزنا عن جعلها مدن فرح وإيقاع مختلف، وفي الميلاد تداهمنا كل المفارقات التي شكلتنا فنصر على الفرح لأنه المخرج الوحيد للبقاء، والدرس الذي قدمه التاريخ عبر صراع لم ينجب الأديان فقط بل كل أشكال الجمال.
من وصل من أطفال غزة إلى يوم الميلاد سيعبر نحو عام آخر بانتظار أن يبلغ عمر المواجهة، فـ”إسرائيل” تحارب “خصب” غزة وتجعل من صور الحروب ثقافة تفرضها على عالمنا الذي يخلق كل يوم لون من “الميلاد”، ويرتب حتى نهاية العام ذكريات الألم على شكل لوحة لا تعبر فقط عن الخلاص بل أيضا عن تصورات لألوان الحياة التي نستطيع تقديمها للعالم.
أقرأ المزيد: العدالة.. الرؤية الناقصة
ربما علينا وضع “فرحة الميلاد” في مشهد جديد يذكرنا بأن غزة كانت ممر جيوش، ولكنها أيضا طريق ثقافات، ومعبرا لفرحة الميلاد من بيت لحم نحو الاسكندرية، ومن نافذة القديس بولس في دمشق باتجاه روما، والتوحش اليوم هو أيام عابرة في سردية شرق المتوسط الذي اعتاد أشكال التسلط عبر التاريخ، وأتقن كتابة حروف فرحة من “الميلاد” كظاهرة تنتشر وتعيد رسم الحياة من جديد، أو تنفض غبار المباني المنهارة في غزة وتجعلها عنوانا لأجيال جديدة، فرمزية أو قدسية بيت لحم ستبقى محفورة في وجدان الجميع، وستكتب فرحة عارمة ننتظرها عندما تشيخ الحروب وتبقى رسالة الميلاد تطوف على الجميع