هاشتاغ _ محمد محمود هرشو
لم يلق برنامج الإصلاح الإداري في سوريا قبولاً شعبياً، حيث اصطدم بتيارين رئيسيين؛ الأول مستفيد من الواقع، وهو بلا شك ذو سطوة ونفوذ كبيرين، والثاني يخاف من التغيير، وهو ما يسمى في علم الإدارة “التيارات المقاومة للتغيير”.
بعد سنوات من برنامج الإصلاح الإداري، وبغض النظر عن تأثيره الواقعي، لامس الأسد تيارات التغيير، وعلى ما يبدو وضع توصيفاً عقلانياً وبرنامجاً عملياً للتغيير الحقيقي في البلاد، وأساسه “الإصلاح السياسي”، حيث استهل العام الجديد بالقانون رقم 1، وهو قانون اتحاد الطلبة، والذي أراد له أن يكون رسالة لمن يقرأ القليل من السياسة وكأنه البلاغ رقم 1.
بدأ عام التحولات السياسية الداخلية هذا بعيد الاجتماع الموسع للجنة المركزية لحزب البعث الحاكم، كونه المظلة الرئيسية للحياة السياسية في البلاد، ويدور الحديث اليوم عن “عاصفة” تغييرات في السياسات والآليات، وربما في الشخصيات.
انسلاخ أكبر منظمة عن الحزب!..
لم يخطر ببال أي مراقب لمسيرة الدولة السورية إمكانية هيكلة المنظمة التي استهل منها الأسد الأب مسيرته الحزبية، لكن ما إن تقرأ القانون الذي بدأ به الرئيس بشار الأسد قرارات هذا العام وأنت تبحث عن جمل گ “حزب البعث” ، “الوحدة العربية”، “الاشتراكية”، “النضال”، “القيادة”، ستجد أن عددها “صفر” في قانون يخص أهم وأكبر منظمة كانت تتبع بشكل كامل ل “حزب البعث العربي الاشتراكي” وكأن القانون وضع “للطلبة” ليكونوا فاعلين بنائين في مجتمع مدني لا يميز عربيا عن غيره من القوميات التي تشكل ألوان الطيف السوري، ولا صاحب هذا التوجه السياسي عن ذاك إلا “بالفاعلية المجتمعية”.
ينظم القانون عمل اتحاد يساهم في بنية اجتماعية تحترم التعددية وتحاكي عقول الشباب الواعد. يفتح باب “التنظيم” السليم لحياة مدنية قائمة على المساواة عمادها تكافؤ الفرص بعيداً عن السياسة وتجاذباتها والأمن وسطوته والولاءات وآفاتها.
المزيد من العودة للمدنية..
وبعد أن تمت هيكلة العديد من الفروع الأمنية ودمج بعضها بالآخر بهدف تخفيف البروقراطية وزيادة الفاعلية لتكون أمناً للمواطن لا عليه، وبعد أن صدرت تعليمات صارمة بمنع التدخل الأمني في عمل الدوائر الحكومية، تستمر الهيكلة الأمنية لتشمل الأقسام المتعلقة بالطلبة والجامعات، كما يسير قطار التغييرات ليشمل قطاعات مدنية أخرى وصولاً الى أجهزة فاعلة في مجال الأمن وبعيدة عن الحياة المدنية وعن الاحتكاك مع المواطن. وفي خطوة لاحقة دمج إدارات وشعب كجهاز أمن عام بالإضافة الى قوى الأمن الداخلي كسلطة تنفيذ قانون.
الحزب الحاكم بدأ تحولاته “الجذرية”..
“البعث ٢٠٢٤ ليس كما قبله”، هو عنوان لخص اجتماع أمينه العام مع القيادة المركزية للحزب التي أراد لها الأمين العام أن تتمتع بقاعدة جماهيرية بعيداً عن التجبر والعنجهية.
قرارات وسياسات أعلنها كانت خلاصة عمل لجان سرية عملت على مدار العامين المنصرمين، طلب منها تلخيص تجربة الحزب على مدار العقود المنصرمة، وعرض نقاط القوة والضعف، والعمل على الاستفادة من قواعد الحزب وتاريخه السياسي ونخبه ومثقفيه ليكونوا فاعلين في الاستراتيجيات الوطنية والحلول الاقتصادية، بعيداً عن التدخلات والتجاذبات والمحسوبيات، و”الجعجعة بلا طحين”.
العبرة في التنفيذ.. ما ذُكر سابقا هي خطوات عملية من الممكن ألا يلحظها كثيرون كونها تندرج في إطار عملية صعبة يمكن تسميتها “معالجة الجذور” وذلك باتجاه عقد اجتماعي مبني على “الثقة” وعماده “العدالة”.
وفيما يخص العدالة، هناك ربما مجلدات من الكلام حولها، فهي الجزء المفقود من الحلقة الكاملة التي لا يكتمل العمل بدونها، وبالتالي من المعتقد أن تكون المحطة القادمة لمسيرة الإصلاح.
فالرئيس الأسد بالرغم من ترؤسه لمجلس القضاء الأعلى وفق قانون السلطة القضائية، إلا أنه “يتحاشى” التدخل في تلك المؤسسة من مبدأ استقلالية القضاء، والأدلة كثيرة، وكان آخرها النظر في فساد القضاء أمام القضاء!
لكن؛ وبالرغم من ذلك فإن المؤسسة لم تنل استقلالها المرجو، وتُعزى الأسباب للمؤسسة نفسها من الداخل، أو لتدخلات أخرى من خارجها، لتكون بذلك بعيدة عن النتائج المرجوة من قبل الشارع، وهذا ما يضعها ضمن الخطط القادمة للإصلاحات الرئاسية السورية “وفق القوانين والأنظمة النافذة”.
ويمكن هنا أيضا لحظ مثال على هذه النية وهذا التوجه، حيث صدر حكم قضائي قبل أيام في عدلية حمص بحق أمين فرع لحزب البعث يقضي بعقوبة جزائية بحقه، بجرم إساءة استخدام السلطة! وهو ما يبشر ويدل أن الغد للعدالة والمساواة وليس للمحسوبيات، ولنا مع الإصلاح القضائي الكثير من الكلام، في قادمات الأيام