هاشتاغ _ نضال الخضري
بعيدا عن أي جدل فني أو مقاربات حول الدراما التي تنقل بشكل كامل مسلسلات تركية، فإن هذه المسألة تملك بعدا ثقافيا يشكل قاعدة أي تفكير بهذه الأعمال التي حسب البعض تمتلك جماهيرية، أو شكلا فنيا في الأداء والإخراج، فالمسألة هنا مرتبطة بالدراما كجامع يملك كل الأدوات الثقافية ابتداء من الكتابة ومرورا بكافة الفنون البصرية وانتهاء بتقنيات الإدارة.
استنساخ الأعمال التركية لا يشبه أي حالة مشابهة أخرى مثل “دبلجة” بعض المسلسلات، أو حتى على المستوى العام كعمليات الترجمة من ثقافة أخرى، فنحن أمام “مظهر تركي” بكل تفاصيله ولكنه بأداء عربي، وربما سوري بأغلبه.
في هذا الموضوع ما يدعو للبحث عن المساحة المفقودة التي تدفع شركات الإنتاج لعمليات الاستنساخ، أو تدفع المجتمعات العربية لقبول هذه الأعمال ومتابعتها بشكل متفاوت على الفضائيات، والأكثر من ذلك فتح “مساحات جدل” حولها وكأنها قضية مرتبطة بالأعمال نفسها وليست نتيجة فراغ ثقافي، أو حتى تجاوز فاقع لكل المظاهر التي تستحق المعالجة على المستوى الاجتماعي، فالإبهار على مستوى المظهر الفني هو في النهاية شكل لخطف أبصار المشاهدين عبر حلقة الترف التي تنقلها هذه الأعمال.
“الأعمال المستنسخة” تبدو كشكل فارق وسط باقي أشكال الإنتاج، وتقدم جرعة ترفيه تحمل معها ألوانا من حياة أخرى ربما لا داعي للبحث عنها والأهم هو نسيج العلاقات الذي تقدمه وكأنه شبكة اجتماعية لصيقة بفئة اجتماعية، أو حتى لون من الحياة يمكن تعميمه على الدراما، فالخيانة أو التنمر أو حتى أي شكل من “شذوذ” العلاقات الاجتماعية عتدما يصبح مادة درامية؛ فإنه يخرج عن إطار “الشكل الفردي” ويدخل في إطار التعميم للعلاقات السائدة.
مهما كانت المادة الدرامية التي تقدمها الأعمال المستنسخة فإنها هروب نحو الآخر، وهذا الأمر بدأ سابقا عبر الذهاب إلى مواقع تصوير تركية، وقبله إلى إغراق ساعات البث بالتاريخ التركي على امتداد قرون، فهو تاريخ لن يفتح قضايا ثقافية على مستوى العالم العربي، وفي نفس الوقت يقدم مادة درامية شيقة من خلال العلاقات المتوترة داخل قصور “سلالة الحكم العثماني”.
المنتجون لا يملكون خيارات كبرى فهم يقفزون إلى أكبر ربح ممكن ودون “مغامرة” في كسر التابو الثقافي للدراما، وهذا الأمر سائد ليس في العالم العربي فقط، إلا أنه يصبح نوعا من الفقر في الخيال عندما يذهب إلى “استنساخ” الأعمال دون البحث عن حلول أخرى، فالدراما التي تخضع كمنتج لقوانين السوق تحتاج لإبداع مثل أي منتج يسعى لاكتساب شرائح اجتماعية أكبر.
تقفز الدراما إلى تركيا ضمن حالة نمطية وتحاول تقديم أعمال يطبعها ممثلون لهم صور ذهنية عند المشاهدين، ويقدمون بيئة مهما حاولنا إقناع المشاهد أنها ليست سورية أو لبنانية أو غيرها، لكنه سيراها بالصور المطبوعة للممثلين في ذهنة وللهجة المحكية التي هي في النهاية سورية أو لبنانية بأبعد تقدير، فهو لا يرى هذه الأعمال استنساخ إنما مظاهر ثقافية دونية ستبقى في ذهنه لفترات طويلة.