الإثنين, ديسمبر 23, 2024
- إعلان -spot_img

الأكثر قراءة

الرئيسيةالواجهة الرئيسيةسوريا.. الأحلام المؤجلة

سوريا.. الأحلام المؤجلة

نضال الخضري

نبحث بعد أي اعتداء إسرائيلي عن صورتنا المنسية، فرغم الزمن الطويل لكننا لم نعتد تلك الحالة التي تلاحقنا، وتفرض علينا ألوانا من الغربة رغم أننا مازلنا في الوطن، فما يحدث أننا نملك سلسلة طويلة من الأحلام المؤجلة؛ تبدأ من الرغبة في دفء عارم في الشتاء وتنتهي برحيل الخوف من اليوم التالي، وبينهما سلسلة طويلة من مسار الرغبة في البقاء دون أن يرسم الذعر ملامحه على وجوهنا، أو نشعر بأن الزمن تغير لكنه لم يبدل من رؤانا لتفاصيل الحياة.

مشكلتنا أن اعتياد الحرب مع “إسرائيل” ليس تفصيلا عابرا، فهي كم من التهديد الذي يحاصرنا، ومساحة مرافقة من التشويش أو الوهم بأن المعارك لا تخصنا لكنها تجري على أرضنا، فأحلامنا المؤجلة كانت وستبقى في خط التماس الذي يفصل حقائق كثيرة تمت صياغتها من جديد، وجعلها البعض “اختصاص” في فن الهروب من مسألة تصفعنا ليل نهار، وتجعل الحياة وكأنها “إذن بالبقاء” من قوة تريد التحكم بمصائر الجميع.

ربما لا يكفينا حلمنا المؤجل بـ”رغد الحياة” والإحساس بدفء القدرة على الاستهلاك دون خوف من اليوم التالي، فتلك الأمور باتت أحجية بالنسبة لنا يصعب تخيلها أو تركيب مساحة خاصة بها، ففي سوريا أكثر من مسألة تضخم لأن ما حدث هو نوع من “الفقد” الذي جعل الحياة رديف القسوة، وجعل من الاعتداءات الإسرائيلية هامشا عريضا للجدل وكأن الحرب مجال شك، أو أنها حالة مخفية لا يعرفها إلا المراقبون الذين يظهرون فجأة على محطات البث لإعلامنا بأنه تم قصفنا ولكننا لسنا المستهدفين!

يتم صياغة تصورنا عن الحرب بنفس الصورة التي يتم نقلها على شاشات التلفزة، أو عبر وسائل التواصل الاجتماعية، فصياغة ما يحدث لا تختلف عن أي فقدان لأحلامنا المؤجلة التي بدأت تتسرب مع وهم الهروب من “واقعية” ما نعانيه، وربما من أشكال الرعب التي كتبتها حربنا مع أنفسنا، فقضينا عشر سنوات ونحن نعتقد أننا نكتب تاريخا جديدا، ثم اكتشفنا أن تاريخ يسكننا ويحجب كل صور المستقبل، ويتيح لأصحاب الخيالات المريضة أن يتصدروا المشهد ليفسروا الحرب بأنها تداعيات سياسية ونتائج تحالفات إقليمية.

ربما لا يهم ماذا قصفت “إسرائيل” لأننا في النهاية نقف في موقع “خانق” يصعب معه الرؤية، أو التفكير بأن أحلامنا المؤجلة ستبقى على حالها، وسيستند كل واحد فينا إلى جدار الوهم الذي يبنيه المحللون السياسيون وتجار التعابير المريضة، ثم نكتفي بمتابعة ما يجري ونغرق في دوامة البقاء الصعب، فالحرب حقيقة مفروضة منذ عقود طويلة، لكن الصورة الجديدة التي يتم بناؤها هي ما تجعل أحلامنا المؤجلة ضمن دوامة التفكير بمستقبل أكثر غموضا وعبثية، فلا تحسن الوضع الاقتصادي بات جزء من تلك الأحلام، ولا احترام الذات التي وسمتنا على مر العقود أمر ممكن، فالحروب جعلتنا في النهاية في موقع مجهول لا يحتاج لتفسيرات بل لواقعية تعيد رسم كل أحلامنا.

مقالات ذات صلة