في ظل الحرب الروسية الأوكرانية التي اندلعت قبل سنتين، والعقوبات الغربية التي تستهدف صادراتها من النفط عبر البحر، وجدت روسيا طريقة للالتفاف على هذه الضغوط بتشكيل أسطول من ناقلات النفط التابعة لجهات غامضة أو تفتقر إلى التأمين المناسب، يُعرف باسم “الأسطول الشبح”.
ما هو “الأسطول الشبح”؟
“الأسطول الشبح” هو مصطلح يطلق على مراكب تجارية غير مملوكة لدول ضمن ائتلاف مجموعة السبع أو الاتحاد الأوروبي، لا تستخدم تأمين الحماية المخصّص للنقل البحري والذي يعوّض الأضرار إن حصلت من دون سقف محدّد.
وتقول خبيرة الاقتصاد في كلية الاقتصاد في كييف إيلينا ريباكوفا إن هذه الممارسة كانت قائمة “حتى قبل الحرب”، وتستخدمها دول مثل إيران وفنزويلا الخاضعتين لعقوبات نفطية أميركية، وحتى كوريا الشمالية.
وبناء على إحصاءات خدمة “لويدز ليست إنتيليجنس” التي تعنى بجمع المعلومات عن الملاحة البحرية، فإن عدد هذه السفن تضاعف العام الماضي، وباتت حاليا تمثّل نحو 10% من ناقلات النفط التي تعمل دوليا. ويعادل ذلك حوالي 1400 سفينة.
ويصعب غالباً تحديد الجهة الحقيقية المالكة للسفينة، بسبب تجمّع شركات في شركة واحدة أو اللجوء إلى شركات وسيطة، وفق تقرير وكالة الصحافة الفرنسية.
لماذا تستخدمها روسيا؟
تعتبر روسيا واحدة من أكبر منتجي ومصدري النفط في العالم، وتعتمد بشكل كبير على هذا المورد لتمويل اقتصادها وسياستها الخارجية.
ولكن مع تفاقم الأزمة الروسية الأوكرانية، فرضت دول من بينها الولايات المتحدة وأوروبا حظراً نفطياً على روسيا مع تحديد سقف لأسعار الخام الروسي، إضافة إلى حظر على تقديم خدمات لنقل النفط بحراً لحرمانها من تمويل حربها مع أوكرانيا.
وللالتفاف على هذه العقوبات، اضطرت موسكو لخفض اعتمادها على الخدمات البحرية الغربية عبر شراء ناقلات وتوفير تأمين خاص بها، وفق ما تقول شركة “ريستاد إنرجي” الاستشارية.
وتقدّر ريباكوفا بأن أكثر من 70% من النفط الروسي الذي ينقل بحرا يستخدم “الأسطول الشبح”.
وقالت شركة “لويدز ليست إنتيليجنس” في كانون الأول/ ديسمبر الماضي: “يزداد برنامج روسيا للالتفاف على العقوبات ضخامة وتعقيداً بفضل أسطول غامض يزداد توسعاً”.
وفي تقريرها بشأن “تعقّب النفط الروسي” الصادر في كانون الثاني/ يناير المنصرم، قدّرت كلية الاقتصاد في كييف بأن 196 ناقلة من الأسطول الشبح محمّلة بالنفط “غادرت الموانئ الروسية في كانون الأول/ ديسمبر الماضي.
ما المخاطر التي يشكلها “الأسطول الشبح”؟
“الأسطول الشبح” الروسي ليس فقط يلتف على العقوبات الدولية المفروضة على روسيا، ويمكنها من الاستمرار في تمويل حربها مع أوكرانيا، ولكنه أيضا يشكل خطراً بيئياً وأمنياً على البحر والدول المحيطة به.
وذكرت “لويدز ليست إنتيليجنس” أن “الجزء الأكبر من هذا الأسطول الغامض لم يخضع لأي تفتيش مؤخراً، كما أن صيانة سفنه دون المستوى”.
وتحذّر كلية الاقتصاد في كييف مراراً من أن السفن المتقادمة تشكّل “خطراً بيئياً هائلاً للاتحاد الأوروبي”، إذ تمرّ السفن القديمة وذات الصيانة الرديئة من أمام سواحل عدد من الدول الأوروبية.
وتشير إلى أن 73% من السفن التي نقلت النفط الروسي في كانون الأول/ ديسمبر الماضي بنيت قبل أكثر من 15 عاماً.
ولا تملك أي من السفن المنضوية في “الأسطول الشبح” الروسي تأمين حماية وتعويضاً مناسباً، وهو أمر إجباري بالنسبة للمراكب التجارية لتغطية المخاطر الناجمة عن الحروب أو حوادث الاصطدام أو الأضرار البيئية مثل التسرّب النفطي، يفيد تقرير وكالة الصحافة الفرنسية.
وهذا يعني أن في حال وقوع أي حادث أو تسرب نفطي، فإن الضحايا والمتضررين لن يتمكنوا من الحصول على أي تعويض أو تعهد من الجهة المسؤولة عن السفينة، وسيتحملون الخسائر والأضرار بأنفسهم.
وبالإضافة إلى الخطر البيئي، تتخوف الدول الأوروبية من أن “الأسطول الشبح” يمكن أن يشكلّل أيضاً خطراً أمنياً على البحر والدول المحيطة به، إذ يمكن أن يستخدمه الجهات الإرهابية أو الجماعات المسلحة أو الجواسيس أو المهربين أو القراصنة لنقل الأسلحة أو المتفجرات أو المواد الخطرة أو الأشخاص أو البضائع بطريقة غير قانونية أو مشبوهة.
ويمكن أن يؤدي ذلك إلى تهديد الأمن القومي والاقتصادي والسياسي للدول التي تقع على طريق “الأسطول الشبح” الروسي، وإلى تفاقم التوترات والنزاعات في المنطقة.