هاتشاغ-رأي-محمد محمود هرشو
مع اشتداد ضراوة “الأعراس” الانتخابية “للبعث” في تجربة هي الأولى من نوعها في تاريخ الحزب، حيث من المفترض أن تختار قواعد الحزب ممثليها في اللجنة المركزية للحزب، والتي سينتج عنها قيادة الحزب (أعضاء القيادة المركزية) .
في تلك التجربة الأولى في تاريخ الحزب وغير المعتادة في بلد كسورية منذ أن نال استقلاله، فكثيراً ما سمعنا “استفتاء” أو “نيل الثقة” وقليلاً ما سمعنا “انتخابات” أو “مرشحين” حقيقيين إلا في العقد الأخير في محاولة من السلطة لتكريس هذا المفهوم لدى “قياداتها” الحزبية التي لم تعهدها، وكذلك لدى “مواطنيها” الذين لم يمروا بمثل هذه التجربة من قبل.
الصراع على “كراسي” البعث انتخابياً باختلاف مستوياتها أظهر هشاشة البنية القواعدية وبعدنا عن تقبل الآخر والتشبث لحد “الاستدماء” لفرض إرادة “القيادة”.
البداية كانت من الانتخابات الداخلية للكتلة البعثية في مجلس الشعب حيث أثبت العدد المهول من المرشحين “استقتال” البعثيين لنيل ثقة زملائهم، وما إن ظهرت النتائج حتى أخذ “الرفاق” يشككون ويطعنون بثقة زملائهم التي فرضتها “القيادات” في قوائم الربع ساعة الأخيرة كما يدعي الراسبون، وهذا ما خالف قواعد الانتخابات وكذلك التعليمات الصريحة لأمين عام الحزب.
لا يزال ميزان السلطة والمال قوة ضاربة أمام إرادة الناخبين، في بلاد لا يقدر أهلها أهمية “صوتهم” وثقله أكثر من تقديرهم “للسلطة” والمناصب ومحاباة أهلها طمعاً في أن يكونوا اللاحقين لواصلين سابقين!
المشهد لم يكن بعيداً عن ذلك في فروع المحافظات كافة، حيث ترأس قوائم الناجحين في سوادها الأعظم المحافظ وأمين فرع الحزب، واكتملت النجاحات و”ثقة” الرفاق بالمتحالفين معهم الطامحين لخدمة “البعث” بالوصول إلى لجنته الموسعة أو قياداته، في مشهد يكرس مقولة “الإناء ينضح بما فيه”.
يبدو أن أمين عام الحزب كان يستشرف الأمر قُبيل اعتزام الحزب إجراء الانتخابات، وهو ما طُرح خلال اجتماعه الأخير مع أعضاء اللجنة المركزية للحزب، وكذلك في بعض الاجتماعات التي خصت الأمر.
لكن وجهة نظره كانت تستقرئ تماماً ماحصل، فهو قارئ لتركيب وتكوين المجتمع ، لاسيما أوساط الحزب منهم، وهو لم يُصرح أو حتى يُلمح أن الانتخابات والآلية المطروحة ستكون المُنقذ المُخلص لسنوات الحزب العِجاف، وإنما هي آليات بحاجة إلى ممارسات قد تحتاج لعدة مرات حتى تُصبح حالة صحية لدى “الرفاق” وبالتالي المجتمع ككل.
ما ذُكر ليس استهانة بقدرات الناس، ولا استهزاءً بإمكانات شعب خلاق وبلد مرت عليه حضارات وتصارعت على أرضه أحزاب وسلطات، لكن الحالة الصحية لأي مجتمع هي أن ينضح بما فيه، وها هو التجمع السياسي الأكبر في مجتمعنا ينضح بما فيه، وعلينا أن نقيم الى أين سيؤدي بنا الطريق قبل التذمر منه.
ما هي إلا أسابيع ويطوي “الرفاق” في حزب البعث فصول من الفساد والجعجعة ويأتي أشخاص “مُنتخبين” بقدر ما يستطيع المجتمع والحزب ان يفرز الأفضل والأكفأ، وهؤلاء يعرفون في أنفسهم أنهم مُطالبين بسياسات، ونظريات مرفقة بحلول وجداول زمنية سيتم محاسبتهم من قبل ناخبيهم وأمينهم العام بناءً عليها.
الديمقراطية ليست عملية سهلة وخاصة لدى شعب لم يجربها من قبل.. الديمقراطية تحتاج إلى تدريب وتمكين وإيمان حتى تفهمها وتتقنها وتمارسها.. وعندما تفعل ذلك فقط يمكنك التنعم بنتائجها وثمارها.