نضال الخضري
يقدم شهر رمضان إمكانية البحث في ثقافة بصرية تهاجمنا بكثافة، وتطرح نفسها كزمن خاص يضعنا في مواجهة مباشرة أمام سردية درامية متشعبة، تبدأ من التراث الشامي وتنتهي بمشاهد العنف والفساد، وكأننا وسط تيار جارف من الأحداث العبثية التي لا تحتمل أي نقد لأنها صورة فقط عن تفكير يتم تعميمه ليصبح مسلمة ثقافية، فالدراما لا تلخص الثقافة الاجتماعية إنما تظهر كمشروع عشوائي وسط الأيام الرمضانية، فترسم ملامح مختلفة تتجاوز المساحات المألوفة حولنا.
المشكلة أننا نشاهد دراما غير قابلة للنقد، فهي تتجاوز الفن لأنها تقف على أعتاب من علم النفس والاجتماع، وتقحمنا بمشاهد تحمل من الغرابة أكثر من كونها حالة إمتاع أو خيال، وربما تحمل نفس السردية ولكن بتفاصيل لا تقدم سوى نوع من الشد العصبي، أو تحطيم رمزية تاريخ قريب؛ فيصبح زمن الانتداب الفرنسي صراع مع “الواشين” أو من يتسترون خلف عباءة “الوطنية، وتغدو البيوت الدمشقية نوعا من خلفية رائعة لقصة تهشم أي تصور جميل للعلاقات الاجتماعية.
في كل الأعمال هناك أزمة “البطل الملحمي” الذي يجسد قدرة فائقة على تحويل الحدث، ورغم كل التفاصيل وعمليات “الشد” لكن النقد الفني يبقى غير ممكن؛ فنحن نشاهد كثافة درامية هابطة علينا من كل الاتجاهات لا يمكن فصلها أو قراءتها بشكل منفصل لأنها دراما الموسم، أو مهرجان المسلسلات التي تختفي فجأة مع نهاية رمضان، فيصبح من الصعب تذكر تفاصيلها أو وضعها في إطار خاص يمكن عبره متابعة الخيوط الدرامية في كل عمل.
هذه الكثافة تشكل أزمة في ثقافة بصرية تصارع الزمن نحو رمضان، وتبحث في باقي أشهر السنة عن أشكال المنافسة التي تصبح طيفا في حلقة الزمن الخاص برمضان، ورغم كل الأعمال المقدمة فإن ما بعد منتصف الشهر الفضيل ينتهي التشويق نتيجة الكثافة الدرامية ويبدأ انتظار النهايات ببرود مختلف عن حالة الاسترخاء التي تسود بداية العمل.
عندما تكون الدراما أسيرة الحدث الرمضاني تتقلص المساحات الثقافية التي يمكن أن تحملها المسلسلات، وتصبح المتابعة طقس قسري أحيانا أو حالة من قلة الاحتمالات الممكنة لنشاطات بديلة، وربما ينتهي الألق الذي رافق الأجيال السابقة في ترقب الأحداث عبر الشاشة، ويتم استبداله بكسر الملل، أو حتى بإرجاء المشاهدة للمرحلة اللاحقة عبر قوات YouTube التي تتيح متابعة منفردة لا تحمل نفس المتعة لكنها تعفينا من ضغط المشاهدة في رمضان.
بات الحلم في أشكال “التمثيلية” بمفهومها القديم؛ عندما كانت كل الأحداث تنتهي بساعة تلفزيونية واحدة لا يكسرها التكرار الفج للإعلانات خلال العرض، وصار الحلم بتذكر عمل واحد قادر على البقاء في الذاكرة لأكثر من عام واحد، فالهجوم الدرامي في رمضان يحمل معه حالة “محوٍ” للذاكرة، وكسر لترقب أحداث لطيفة أو حتى طريفة تخلق متعة بدلا من “الشد العصبي”.