هاشتاغ – خاص
لم يمر قرار الحكومة برفع تسعيرة الكهرباء ومن ثم الفيول، مرور الكرام على الصناعيين السوريين، وخاصة الحلبيين، الذين وجدوا فيه إغلاقاً لآخر ثغرة تجعلهم متمسكين بالعمل في هذه الظروف الحالكة، فيما شبه خبير اقتصادي الإجراءات والقرارات الحكومية في هذا المجال بأنها تشبه سياسة “التحصلدار”.
أرسلت غرفة صناعة حلب كتاباً إلى رئاسة الحكومة منذ فترة طالبت فيه بتخفيض تسعيرة الكهرباء بغية تخفيض التكاليف على المنتج المحلي، الذي خرج من المنافسة بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج مقارنة بمنتجات الدول الأخرى.
وبدلا من الاستجابة، ماهي إلا أيام قليلة ليصدر قرار برفع سعر الفيول، وهو ما وجد فيه الصناعيون إغلاقا لآخر ثغرة أمل أمامهم من قبل الحكومة وسط مشكلات تأمين المازوت وشح وفاقد في الكهرباء الذي يجب تعويضه للصناعي.
رئيس اتحاد الصناعيين وغرفة صناعة دمشق وريفها غزوان المصري قال إن أسعار الكهرباء في سوريا أغلى من السعر العالمي في دول المنطقة، علماً أن الكهرباء تعد مدخلاً من مدخلات الإنتاج الرئيسة للقطاعات الصناعية، وأي تأثير على انخفاض هذه التكاليف سيزيد ويعزز من التنافسية وزيادة الحصة السوقية في الأسواق المحلية والإقليمية.
لن نتحمل كلف الفساد..
رئيس غرفة صناعة حلب فارس الشهابي خاطب وزير الكهرباء بالقول:” لا يعقل أن نتحمل الكلف المرتفعة وغير المنطقية لإنتاج الكهرباء.. لا علاقة لهؤلاء المنتجين بنسبة الهدر العالية في الشبكات و لا بالسرقات ولا بفساد العقود وكلفها المرتفعة”.
وأشار إلى أن “أسعار دول الجوار التي أوردناها حصلنا عليها من فواتير نظامية لصناعيين أقاموا منشآتهم في تلك الدول ومن مؤسسات الكهرباء في تلك الدول وهي اسعار دقيقة وأقل بكثير من أسعارنا”.
وتمنى الشهابي أن لا تضع وزارة الكهرباء المصالح الشخصية لبعض المحرضين من أصحاب شركات الطاقات البديلة فوق المصلحة العامة للإنتاج.
نائب رئيس غرفة صناعة حلب عبد اللطيف حميدة قال:”نحن اليوم على أبواب كارثة حقيقية تهدد القطاع الصناعي الخاص، ومن شأنها أن تؤدي لتوقف أغلب المعامل إن لم يكن كلها بسبب ارتفاع أسعار الطاقة الكهربائية”.
عضو اتحاد غرف الصناعة السورية مجد ششمان قال “نحن كصناعيين بأمس الحاجة إلى وجود الدعم، ولو كان بالحد الأدنى، لأن ظروف الإنتاج صعبة، وهناك مشاكل كثيرة نتمنى أن يتم تجاوزها.”
قرار مثير للجدل..
وأثار قرار رفع سعر الفيول إلى 400 ألف للطن الواحد استياء كبيراً من الصناعيين، قد وصفوه بأنه قرار غير مدروس معتبرين أن رفع السعر خلال هذه الظروف الصعبة غير مناسب وأن ما يجب أن تقوم به الجهات المعنية هو إعادة النظر بالقرار حفاظاً على ما تبقى من الصناعة الوطنية.
أمين سر اتحاد غرف الصناعة السورية أيمن مولوي قال: يبدو أن الصناعي خرج من دائرة الدعم بالمطلق سواء بالمحروقات أم الكهرباء.
الصناعي عبد اللطيف حميدة عضو مجلس إدارة غرفة صناعة حلب قال: كان من الممكن أن نقبل بسعر الفيول بالأسعار العالمية شرط أن يكون الفيول بالمواصفات العالمية، لكن الفيول المقدم للصناعي رديء ومملوء بالشوائب المرتفعة وهو درجة عاشرة، ما يعني أن المعمل الذي يحتاج إلى طن أصبح بحاجة إلى طن ونصف الطن لأن احتراقه كبير وفي حال بقى الحال على ما هو عليه يعني خروج الصناعي السوري من المنافسة والأسواق العالمية.
واعتبر أمين غرفة صناعة حمص عصام تيزيني أنه لا حل بعد الآن إلا بترك القطاع الخاص يتصرف “الحكومة للأسف لم تعد قادرة على توفير مصادر الطاقة لأسباب كلنا يعرفها”.
الأموال في الخارج..
في ظل هذا الوضع الطارد للاستثمار، هرب عدد كبير من السوريين إلى بلدان الجوار ليؤسسوا مشاريعهم هناك.
وازدادت استثمارات السوريين في الخارج منذ اندلاع الحرب في سوريا، ففي مصر، تم السماح للسوريين بتأسيس شركات استثمارية سورية، بلغت ما يقارب 1254 شركة، بحسب إحصاءات رسمية من الهيئة العامة للاستثمار، لصالح أكثر من 30 ألف مستثمر سوري.
ووصلت استثمارات السوريين حسب تقرير هيئة الاستثمار في حكومة مصر إلى ما يقارب المليار دولار.
وتشير الأرقام الأردنية الرسمية، إلى أن عامي “2011 و2012” شهدا بداية تدفق المستثمرين السوريين إلى الأردن، حيث تم تسجيل ما يقارب 500 شركة استثمارية سورية، بحجم استثمار يقدر حينها بنحو 140 مليون دولار أمريكي.
وبحسب الأرقام، فإن عام 2014 شهد أيضاً زيادة في وارادت قيمة رؤوس الأموال السورية بنسبة 10.9 مليون دينار أردني، وزيادة عدد المستثمرين إلى 191 مستثمراً.
وبلغ حجم الاستثمارات السورية في المدن الصناعية الأردنية 190 مليون دولار، ووفرت قرابة 2500 فرصة عمل للأردنيين.
وأفادت دراسات خاصة بأن السوريين أسسوا 6 آلاف و176 شركة في إسطنبول منذ بداية عام 2018 وحتى نيسان/ إبريل 2021 الماضي، بينما يقدر عدد الشركات السورية بنحو 20 ألف شركة.
وتقدر الشركات ذات المشاريع المشتركة الأجنبية والتي يسهم فيها السوريون برأس المال قد بلغت 762 شركة في إسطنبول وحدها، و9 آلاف و131 شركة في عموم تركيا.
انهيار قريب..
أعداد المستثمرين في الخارج لم تصل إلى إلى هذا الرقم بسبب الحرب والمعارك العسكرية فقط، بل بسبب الإحباط من السياسات الحكومية في سوريا، ومشجعات الاسثمار في الخارج، وعلى رأسها الكهرباء.
الخبير الاقتصادي جورج خزام قال لهاشتاغ، إن تكاليف الكهرباء من أهم المصاريف التي تدخل في تصنيع المنتجات الجاهزة للبيع، وعليه فإن أي زيادة بأسعار الكهرباء تعني زيادة مباشرة بالتكاليف وزيادة بالأسعار.
وحسب رأي “خزام” فإن الكساد السلعي هو أسوأ ما يعاني منه المنتج الوطني بسبب تراجع الطلب الناتج عن ارتفاع الأسعار الذي يترافق مع انخفاض كبير بمستوى الدخل الفردي، وعليه فإن الباب الوحيد للتخلص من الكساد هو التصدير.
ويضيف “بما أن أسعار الكهرباء حالياً ارتفعت لأرقام قياسية أعلى من دول الجوار، فإن المنتج الوطني بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج سيفقد القدرة التنافسية بالأسواق الخارجية
ومعه سترتفع نسبة البطالة و الكساد.”
وتابع “خزام”: “إن أسوأ ما تعاني منه الصناعة الوطنية هو أن ارتفاع اسعار الكهرباء يترافق مع ارتفاع تكاليف استيراد المواد الأولية للصناعة بسبب منصة تمويل المستوردات بالمصرف المركزي، حتى أصبحت أسعار الكهرباء و أسعار جميع المواد الأولية أعلى من الأسعار في دول الجوار، و هذا يعني بالتأكيد انهيار قريب للصناعة الوطنية و زيادة بالمستوردات والتهريب.”
وأشار إلى أن قوة اقتصاد أي دولة يقاس بحجم الإنتاج، وعليه فإن ارتفاع أسعار الكهرباء بنسبة أعلى من دول الجوار بسبب الهدر الكبير بتكاليف توليد الكهرباء سينعكس على الاقتصاد الوطني بإغلاق جماعي للمصانع و بتراجع كمية الصادرات ومعه المزيد من انهيار سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار وزيادة البطالة و الكساد.
وأضاف: “إن إغلاق أي مصنع يعني انهيار أحد ركائز الاقتصاد الوطني في حماية الليرة السورية، ورفع أسعار الكهرباء للمصانع يعني تهديد حقيقي للصناعة الوطنية لصالح زيادة المستوردات” .
بلا أمل..
الأستاذ في كلية الاقتصاد، الدكتور عابد فضلية، قال لهاشتاغ إن مذكرة غرفة صناعة حلب تحذر من احتمال اضطرار الكثير من المنشآت الصناعية للتوقف عن العمل والإنتاج .. وتشير إلى تراجع القدرة التنافسية للمنتجات التصديرية السورية.
بسبب رفع أو ارتفاع أسعار الطاقة الكهربائية..
كما أكد ذلك أيضا رؤساء لجان الصناعات الكيميائية في اتحاد غرف الصناعة السورية.. وطالبو بتخفيض تعرفة الكهرباء بأسرع ما يمكن.
وحسب رأي فصلية، فإن هذا المطلب ليس تخفيض الأسعار ولا دعمها.. بل تعديلها لتكون منطقية وعادلة ومتناسبة مع الأسعار العالمية ودول الجوار، وبالتالي فإن هذا مطلب حق سيساعد تحقيقه على تخفيض مستوى الأسعار في السوق الداخلية وبالتالي دعم القوة الشرائية وتنشيط الطلب وتحريض الإنتاج؛ الأمر الذي سيؤدي حتما إلى خلق مزيد من فرص العمل ومزيد من الدخول ومن القوة الشرائية والطلب الفعال.
ويوضح أن تحريك عجلة الإنتاج الصناعي وتسريعها من خلال تخفيض تكاليف الإنتاج بتخفيض تعرفة الكهرباء سيؤدي حتما إلى تحريك الإنتاج والطلب في القطاع الزراعي وإلى توفير المزيد من مستلزمات إنتاجه الصناعية.
وفي المحصلة، يقول فضلية “لا نرى أي مبرر على الإطلاق لرفض الجهات الحكومية تعديل تعرفة الكهرباء الصناعية لأن تحسن الإنتاج الصناعي سيحسن نسبياً كل شيء في جنبات الاقتصاد المادي وفي جنبات وجهه الاجتماعي وستتحسن أيضا وبالتوازي مختلف أنواع إيرادات الخزينة العامة للدولة”.
“في حال لم تستجب الجهات الحكومية لهذا المطلب العادل والمحق والضروري فلن يبقى للفعاليات الاقتصادية ولمعظم الشرائح من المستهلكين الضعفاء أي أمل في تحسن الأداء الحكومي ولا في تحسن وتحسين الأداء الاقتصادي ولا في تحسن وتحسين مستوى المعيشة” حسب رأي الخبير الاقتصادي.
ويضيف :”من حق الجهات الحكومية أن تعظم إيراداتها وتزيدها وتضاعفها، ولها لأجل ذلك أن تتخذ ما تريد وما هو مناسب من وسائل وإجراءات، ولكن بعيدا عن الوسائل والإجراءات التي تضر أكثر مما تفيد؛ حيث إن تفويت الحصول على إيرادات قليلة اليوم لغاية الحصول على إيرادات مضاعفة غدا هو قرار رشيد فمن مهام وواجبات الجهات الحكومية أن تقوم بتحصيل مستحقات الدولة ولكن ليس من المقبول أن تشتغل (تحصلدار)”.